من يوميات الحرب
7 يناير 2010
رابط مختصر:
إن العلاقات الاجتماعية الوطيدة بين العائلة والمجتمع في قطاع غزة المحاصر لا يمكن المبالغة في قوتها.
وعليه فإنه في الوضع الذي لا تستطيع فيه السلطات تقديم الاحتياجات الأساسية مثل الوصول إلى مياه نظيفة صالحة للشرب وصحة عامة ملائمة فإن العائلات التي يحتاج أفرادها إلى تلك الاحتياجات هم من يجبرون على القيام بذلك.
كما أن الجيران يشعرون بالمسئولية تجاه بعضهم البعض في حالة عجز أي من تلك الأسر عن تلبية حاجاته الأساسية.
وبتدمير الجيش الإسرائيلي لآلاف المنازل الفلسطينية خلال عملية الرصاص المصبوب فقد شتت عشرات الآلاف من العائلات.
وحرم الفلسطينيون من منازلهم وممتلكاتهم الشخصية ومدخراتهم وهو ما شكل خسارة لا يمكن تحملها، بالإضافة إلى أن حالة التشرد وفقدان البيئة الاجتماعية التي عشوا فيها عشرات السنين أمر يضاعف من معاناتهم.
أجرى مركز الميزان لحقوق الإنسان مقابلة مع أبو سهل، البالغ من العمر (55 عاماً)، ويسكن في عزبة عبد ربه شمال غزة.
أجريت المقابلة بعد مرور حوالي عام على الاعتداء.
وكان محور اللقاء يدور حول حياته بعد أن أمر الجيش الإسرائيلي أسرته بمغادرة المنزل في يوم الأربعاء الموافق 7 يناير 2009.
'كان لي أربعة أبناء وأربع بنات' يقول أبو سهل.
'كنت أعيش في منزل من أربع طوابق مع زوجتي وأبنائي الأربعة وزوجاتهم وأحفادي وبناتي الصغار غير المتزوجات.
أما الآن فأعيش أنا وزوجتي فقط'.
أمر الجيش الإسرائيلي أبو سهل وعائلته بمغادرته المنزل والتوجه إلى ملاجئ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أو إلى منازل أقاربهم.
وبعد عودة العائلة إلى منزلها بعد الانسحاب الإسرائيلي في 18 كانون الثاني يناير 2009 وجدوا الحي الذي كانوا يسكنون فيه مدمراً بالكامل، ووجدوا مسكنهم كومة من الأنقاض.
لا تبكي الرجال 'من المفروض ألا يبكي الرجل ولكني بكيت'.
يقول أبو سهل.
'بنينا المنزل منذ أكثر من خمس وثلاثين عاماً وجاءوا وحولوه إلى ركام في دقائق.
عندما جاءت حفيدتي سجى، التي تبلغ من العمر (6 سنوات) ورأت ما تبقى من المنزل أخذت تجول حول المنزل محاولة أن تجد المدخل.
وعندما لم تستطع أخذت تبكي.
أعتقد أن هذا ما يزعجني كثيراً.
بدأت أبكي كالأطفال.
' يقول أبو سهل قبل أن يجهش في البكاء من جديد .
بعد أن وجد أبو سهل منزله مدمراً بالكامل أخذ يفكر في إيجاد مكان ما ليعيش فيه أبناءه وأحفاده.
انتقل أبو سهل وزوجته وابنه الأعزب سائد إلى خيمة الأمم المتحدة.
'بقينا في تلك الخيمة لمدة خمسة شهور.
'.
يوضح أبو سهل قائلا:'كنا نطبخ على الحطب خارج الخيمة' كنا لا نزال في فصل الشتاء وكان الجو بارداً جداً.
كانت الخيمة جديدة ولكنها كانت تتداعى كلما تساقط المطر.
'.
ومع حلول فصل الصيف تدهورت الظروف المعيشية وتحول الحلم بانقضاء الشتاء وتغير الحياة نحو الأفضل إلى كابوس يقول أبو سهل 'تمنيت أن يعود فصل الشتاء مرة أخرى.
فقد عرفت أن الأمطار أفضل من الحشرات.
فبدأنا نرى الحشرات والبعوض والعقارب والقوارض التي تعض وتلسع وتؤلم'.
و بعد مرور ستة أشهر تقريباً على العيش في خيمة تبرعت مؤسسة خيرية تركية بغرفة متنقلة (كارافان صغير).
'وضعنا الغرفة المتنقلة بالقرب من الركام وانتقلت أنا وزوجتي للعيش فيه.
بينما ابني سعيد بقي في الخيمة لأن الغرفة صغيرة ولا تتسع للجميع.
فهي بالكاد تكفي لسرير وبعض الأرفف وفريزر قديم تمكنا من انتشاله من تحت الركام.
حتى أننا نطبخ على نار الحطب في الخارج وفي بعض الأحيان يحضر أولادي الطعام معهم.
'.
شهر رمضان و العيش في وحدة قبل حلول شهر رمضان المبارك بقليل الذي جاء هذا العام في شهر سبتمبر، قامت منظمة دولية غير حكومية بإزالة الركام من الحي.
'وافقت على إزالة ما تبقى من منزلي' يقول أبو سهل.
'حتى لو كان لدينا النقود فنحن لا نستطيع إعادة بناء المنزل لعدم توفر مواد البناء في قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.
ولكني أردت أن يزال ما تبقى من منزلي لكي لا أتذكر ما فعله الجنود بمنزلي.
ففي كل مرة أنظر فيها إلى الركام أتخيل غرفتي ومطبخي والصالون.
.
.
'.
شهر رمضان كان صعباً جداً على أبو سهل.
' بكيت في اليوم الأول من شهر رمضان' يقول أبو سهل.
' كانت أسرتي تجتمع بالكامل كل يوم من أجل تناول طعام السحور ولكن هذا العام كنت وحيداً أنا وزوجتي.
وفي أول يوم من الشهر الفضيل جاء أبنائي وبناتي للسحور معنا وكانت مفاجأة لنا.
جاؤوا وقالوا أنه شهر رمضان ونريد أن نجتمع كما كنا في السابق.
نريد أن نأكل جميعاً مع بعضنا بعضاً.
'.
إني أشتاق إلى تلك الأيام.
'.
شكل العيد مشقة على أبي سهل ' ذهبنا إلى المسجد القريب في حينا وصلينا صلاة العيد ثم ذهب أبنائي إلى منازلهم وأنا عدت وحيداً إلى منزلي.
كنت حزينا جدا على ذلك.
' قال ذلك قبل أن تترقرق دموعه مرة أخرى.
'يعاني ابن عمي خالد أكثر مني بسبب العدوان الإسرائيلي الأخير.
ففي 7 كانون الثاني يناير 2009 قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي المتمركزة مقابل منزله بإطلاق النار على بناته الثلاثة وأصابت والدته من مسافة قريبة.
مما تسبب في قتل البنتين وإصابة الثالثة بشلل دائم.
ثم نسفت منزلهم بالمتفجرات.
لا يوجد هناك شيء أكثر ألماً من فقدان وتدمير حياة الصغار.
وبقلب بائس يريد أبو سهل أن ينتهي الاحتلال قبل أن يموت.
'كان عمري أحد عشر عاماً عندما احتل الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية وقطاع غزة في حزيران من عام 1967'.
يوضح أبو سهل 'والوضع سيء منذ ذلك الوقت'.
أصبت في قدمي في إحدى الهجمات الإسرائيلية في تلك الحرب وأصبت مرة أخرى في إحدى الاجتياحات الإسرائيلية في عام 2003.
تمزق كتفي ولا أستطيع المشي بشكل جيد الآن.
وكذلك زوجتي أصيبت بجراح حرجة ولا تزال هناك شظية مستقرة في رأسها حتى الآن.
ونعيش أنا وزوجتي على المسكنات.
كل ما أريده هو إنهاء الاحتلال.
أطلب من الناس حول العالم بأن ينظروا إلى الفتيات الصغار اللواتي فقدن أعينهن وأيديهن وأرجلهن وأن يعتبروهم كبناتهم.
لماذا لا يساعدنا أحد؟؟؟.
'.