تقارير و دراسات

الإبادة الجماعية...إبادة الصحة والبيئة

    شارك :

20 يونيو 2024

الإبادة الجماعية: إبادة النظام الصحي والبيئي في غزة

شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ عدوانها على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، في استهداف كامل للمنظومة الصحية في القطاع في إطار حرب الإبادة الجماعية، ومارست خلالها التدمير الممنهج للمستشفيات والمراكز الصحية والمنشآت الطبية الأخرى، وأخرجت أغلبها عن الخدمة، وتكدست من بقي يعمل منها ولو بشكل محدود، بالمصابين والجرحى. كما استهدفت طواقم الإسعاف والدفاع المدني، وفرضت حصاراً مشدداً منعت خلاله دخول المساعدات الطبية والإنسانية إلى قطاع غزة، ما فاقم من الأزمة الصحية في ظل محدودية تقديم العلاج.

وتزامن ذلك مع قطعها للماء والكهرباء، وتدمير البنية التحتية الذي أدى إلى توقف جميع الخدمات الحيوية، كإمدادات المياه ومحطات الصرف الصحي، الأمر الذي نتج عنه انتشار الأمراض والأوبئة وسط نقص حاد في الأدوية، ما جعل المدنيين أكثر عرضة للموت.

كما ضاعف نزوح المواطنين المتكرر وتكدسهم في مناطق محدودة كمراكز الإيواء الرسمية وغير الرسمية، وخارج هذه المراكز في الخيام في مناطق غير مهيأة وسط ازدحام شديد وبدون بنية تحتية، وفي ظل تراكم النفايات وانتشار الروائح الكريهة، من سهولة انتشار الأمراض والأوبئة. كما أن الاستهداف المستمر للمنظومة الصحية، وعجزها عن تقديم خدماتها، فاقم الأزمة الصحية بشكل ملحوظ.

تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على الوضع الصحي والبيئي في قطاع غزة مع استمرار حرب الإبادة الجماعية التي تشنها دولة الاحتلال، ونتائج تلك الجرائم من مشكلات صحية، وانتشار للأوبئة والأمراض المعدية، مدعمة بعدد من الإفادات من ضحايا وشهود عيان.

 

أولاً: واقع المستشفيات خلال العدوان على قطاع غزة:

يتولى الإشراف على تقديم الخدمات الصحية في فلسطين أربع قطاعات رئيسية: القطاع الصحي الحكومي (وزارة الصحة والخدمات الطبية العسكرية)، ووكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص. وبحسب تقرير صادر عن جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني لعام 2023، فإن عدد مراكز الرعاية الصحية الأولية في قطاع غزة ارتفع إلى (765) مركزاً في عام 2021، 64% من هذه المراكز تابعة لوزارة الصحة الفلسطينية، مقابل 25% تابعة لمنظمات غير حكومية، و9% تابعة لوكالة الغوث و2% تابعة للخدمات العسكرية.[1]

يستفيد سكان محافظات قطاع غزة من الخدمات الصحية في 35 مستشفى، بمعدل 1.59 مستشفى لكل 100 ألف نسمة، 13 مستشفى منها حكومي و17 مستشفى غير حكومي، مستشفيان يتبعان لوزارة الداخلية والأمن الوطني، و3 مستشفيات خاصة. تتوزع المستشفيات على 5 مناطق، 18 منها في محافظة غزة، 6 في محافظة خانيونس، 5 في محافظة شمال غزة، و3 في محافظة دير البلح، و3 في محافظة رفح. ويبلغ عدد الأسرة المتاحة فيها نحو  3,412سريراً، بمعدل15.53  سرير لكل 10 آلاف نسمة، منها 527 في القطاع غير الحكومي، و130  سريراً تديره وزارة الداخلية، و81 سريراً يديره القطاع الخاص.[2]

تواجه المستشفيات في قطاع غزة تحديات تتمثل في نقص الكوادر الطبية، بمن فيهم الجرّاحون المتخصصون، وجرّاحو الأعصاب، والطواقم العاملة في وحدات العناية المركزة، حيث استشهد ما يزيد عن 490 من الكوادر الصحية وأصحاب الاختصاص الطبي، وتم اعتقال 410 منهم على الأقل، منذ بداية الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 حسب تقرير وزارة الصحة بتاريخ 5 يونيو/حزيران 2024. كما يلقي انهيار المنظومة الصحية، وعرقلة الوصول إلى المرافق الصحية والمشافي، وعدم توفر الأدوية والإمدادات الطبية، وصعوبة إجراء الفحوصات المخبرية، وانهيار البرامج الوقائية والتلطيفية، أعباء جسيمة على مرضى الأمراض المزمنة، والتي كانت تشكل قبل الحرب أصلا عبئا كبيرا على النظام الصحي.[3]

ومع بدء قوات الاحتلال هجماتها العسكرية على قطاع غزة، واستهداف المستشفيات والمراكز الصحية وخروج عدد كبير منها عن العمل بسبب التدمير الكلي أو الجزئي الذي لحق بها، وأوامر إخلائها من الكوادر الطبية والمرضى. وبحسب تقرير وزارة الصحة الفلسطينية بتاريخ 5 يونيو/حزيران 2024، خرجت (27) مستشفى عن الخدمة بشكل كلي، و(53) مركزاً صحياً، و(155) مؤسسة صحية، و(130) سيارة إسعاف. كما تم استهداف أكبر مصنع للأدوية في قطاع غزة والكائن في محافظة دير البلح.[4] كما سبق واحترقت (4) مخازن رئيسية في مدينة غزة بتاريخ 18 يناير/ كانون الثاني 2024.[5]

وكان من ضمن المستشفيات الرئيسية التي جرى استهدافها خلال حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وأخرجت بشكل كلي عن الخدمة بعد استهدافها، المستشفى الأهلي العربي (مستشفى المعمداني) في غزة، الذي ارتكبت فيه مجزرة في أكتوبر2023، ومستشفى الشفاء في قطاع غزة الذي اقتحمته قوات الاحتلال عدة مرات، وآخرها في مارس/آذار 2024، ودمرت أجزاء واسعة منه واكتشفت داخله عدة مقابر جماعية؛ ومستشفى القدس التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، ومستشفى الصداقة التركي لمرضى السرطان، ومستشفى النصر للأطفال، ومستشفى العيون، ومستشفى الرنتيسي التخصصي للأطفال، ومستشفى الصحة النفسية، ومستشفى الدرة للأطفال، ومستشفى الوفاء للتأهيل الطبي والجراحة التخصصية، ومستشفى الوفاء لرعاية المسنين في غزة، ومستشفى بيت حانون، والمستشفى الإندونيسي، ومستشفى كمال عدوان، ومستشفى العودة، جميعهم في شمال قطاع غزة، ومستشفى ناصر في خانيونس، الذي اقتحمته قوات الاحتلال، ودمرت أجزاء كبيرة منه في فبراير/شباط 2024، واكتشفت فيه مقبرتان جماعيتان، ومستشفى الأمل الهلال الأحمر الفلسطيني في خانيونس.[6]

وحتى بعد إعلان عودة بعض المستشفيات للعمل الجزئي بعد انسحاب قوات الاحتلال منها أو من محيطها، فإنها تقدم بعض الخدمات الصحية والتي لا ترقى لمستوى احتياجات السكان، أضف لذلك المخاطر المستمرة على حياة المرضى والطواقم الطبية، فعلى سبيل المثال، اقتحمت قوات الاحتلال مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وهو أكبر مستشفى في قطاع غزة، في شهر مارس/آذار 2024، بعدما كانت قد انسحبت منه في وقت سابق، ورافق عملية المحاصرة والهجوم على المستشفى والتي استمرت أسبوعين، تدمير كلي وجزئي لجميع مباني المستشفى، إذ قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية أن تدمير مستشفى الشفاء، وهو أكبر مستشفى في قطاع غزة، "أدى إلى نزع قلب النظام الصحي" من القطاع. كما اعتقلت قوات الاحتلال العشرات من المرضى ومن الكادر الطبي.

ومن بين المستشفيات التي عادت للعمل بشكل جزئي وبأقل الإمكانيات: مستشفى المعمداني بغزة، مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة والمستشفى الإندونيسي الذي يستقبل حالات طوارئ، جميعهم شمال غزة، ومستشفى الشفاء يستقبل حالات غسيل الكلى فقط، ومستشفى ناصر والأمل في خانيونس.

كما أعلنت المصادر الصحية بمستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، بتاريخ 5 يونيو/حزيران 2024، خروج أحد مولدي الكهرباء عن العمل وينذر ذلك بوقوع كارثة إنسانية قد يروح ضحيتها عشرات الجرحى والمرضى والأطفال الخدج تحت أجهزة التنفس الصناعي التي تعمل على التيار الكهربائي.

ومع بدء العملية البرية العسكرية على مدينة رفح بداية شهر مايو/أيار 2024، وإغلاق معبر رفح البري وكرم أبو سالم التجاري، مُنع المرضى والجرحى من السفر وتلقي العلاج بالخارج، وتوقفت حركة الكوادر والوفود الطبية التي تساهم في إجراء العمليات الجراحية للمرضى والمصابين، وأدى الإغلاق أيضاً إلى وقف إدخال كميات الوقود المحدودة التي كانت تمر واللازمة لتشغيل مولدات المستشفيات، وسيارات الإسعاف، وثلاجات الأدوية والتطعيمات التي يحتاجها الأطفال للوقاية من الأمراض.

كما خرجت مستشفيات المحافظة جميعها عن العمل، فبتاريخ 7 مايو/أيار 2024، تم إخلاء مستشفى أبو يوسف النجار في حي الجنينة، المستشفى المركزي في رفح، بالكامل، بعد أوامر الاخلاء الإسرائيلية، وتوقف مركز غسيل الكلى الوحيد في محافظة رفح عن العمل. ومن ثم خرج مستشفى الكويت التخصصي في حي الشابورة، عن الخدمة بتاريخ 28 مايو/أيار 2024 بعد استهداف اثنين من موظفيها على باب المستشفى واستشهادهم. وفي بداية شهر يونيو/حزيران 2024، توقف مستشفى الاماراتي للولادة في تل السلطان عن الخدمة بعد تصعيد القصف من الطيران الحربي والمدفعية تجاه حي رفح الغربية وتل السلطان، وجميع المراكز الصحية في رفح. وبذلك لم يتبق أي مستشفى قائم في رفح سوا مستشفى الصليب الأحمر الميداني الواقع أقصى شمال غرب محافظة رفح.

يعاني القطاع من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية لتقديم خدمات الطوارئ والعمليات والرعاية الأولية والعديد من الخدمات والتي أصبح رصيدها صفر في بعض المستشفيات وأماكن تقديم الخدمة.

(أ.م) يبلغ من العمر (40 عاماً)، متزوج ولديه (3) أبناء من بينهم طفل مريض، نزح إلى خيمة في مواصي خانيونس، أفاد حول الوصول للمستشفى:

"رائحة المرحاض التي بجوار خيمتي تصيبنا بالغثيان، حيث تتسرب مياه المرحاض وغسل الأواني والملابس إلى ما بين الخيام. الرائحة سيئة، والبعوض والذباب منتشر بكثرة. بعد مكوثي لمدة ثلاثة أيام في الخيمة، أصيب ابني ذو العشرة أعوام بمرض لم يستطع من خلاله الأكل والشرب. ذهبت به إلى مستشفى شهداء الأقصى في محافظة دير البلح، وانتظرت مدة ثلاث ساعات هناك دون أن أستطيع علاجه، نظراً لتكدس المستشفى بالجرحى والمرضى. قررت العودة إلى الخيمة وتقديم وصفات شعبية له من أعشاب، ولكني وبعد يومين رجعت مرة أخرى إلى المستشفى بعدما زادت حالته سوءاً. وبعد انتظار لعدة ساعات أخرى، استطعت رؤية الطبيب الذي فحصه وقال لي: نعتقد بأنه يعاني من جرثومة، وأنه من المؤكد قد تناول أو شرب شيئاً ملوثاً، وكتب له دواء اشتريته من خارج المستشفى بصعوبة نظراً لندرة الدواء".

 

ثانياً: انتشار الأمراض والأوبئة المعدية:

انتشرت الأمراض والأوبئة المُعدية بشكل كبير في قطاع غزة، وخصوصاً مع بداية حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة. ومع تدمير الاحتلال للبنية التحتية، من شبكات صرف صحي ومياه، وفيضان مياه الصرف الصحي في الشوارع نتيجة لتدمير الكثير من خطوط وشبكات المياه العادمة، وتراكم النفايات في الشوارع وفي مخيمات النزوح غير المهيأة، والازدحام الشديد الذي تشهده مخيمات النزوح، فإن انتشارها وانتقالها بين النازحين أصبح سريعاً.

بحسب منظمة الصحة العالمية، أدى نقص الوقود إلى إغلاق محطات تحلية المياه، مما يجبر الناس على شرب المياه الملوثة، وهذا يزيد من خطر انتشار العدوى البكتيرية. كما أدى إلى تعطيل جميع أعمال جمع النفايات الصلبة، وخلق بيئة مواتية للانتشار السريع وواسع النطاق للحشرات والقوارض التي يمكن أن تنقل الأمراض. [7]

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية بتاريخ 27 أبريل/نيسان 2024، عن توقف مختبر الصحة العامة وعدم القدرة على فحص مياه الشرب وعدم سماح الاحتلال بإدخال مادة الكلور أو أي بديل عنه لمعالجة مياه الشرب، وبالتالي فإن جميع مواطني قطاع غزة يتناولون مياه غير آمنة وتعرض حياتهم للخطر. [8]وبحسب تقرير لوزارة الصحة الفلسطينية بتاريخ 31 مايو/أيار 2024، فإنه منذ بداية العدوان العسكري على قطاع غزة وحتى 12 مايو/أيار 2024، تم رصد (1,477,000) حالة معدية في مراكز الرعاية الأولية الحكومية وغير الحكومية ووكالة الغوث، من بينها (71,338) حالة عدوى التهاب الكبد الوبائي من نوع A، نتيجة الاكتظاظ الكبير في مراكز الإيواء وتدني مستويات النظافة في أماكن النزوح في قطاع غزة.[9] كما توفي (32) فلسطينياً، بسبب سوء التغذية والجفاف حسب آخر إحصائية لوازرة الصحة بتاريخ 3 مايو/أيار 2024.[10] وهناك (10,000) مريض سرطان يواجهون الموت وبحاجة إلى العلاج.[11]

 

وقالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية في مطلع شهر مايو الحالي 2024، أنه وبسبب ارتفاع درجة الحرارة، وانخفاض المناعة في فصل الصيف، فإن معدلات الإصابة بالأمراض المعدية تزداد وقد تكون أكثر خطورة، في حين تم تسجيل (712) ألف حالة إصابة التهاب في الجهاز التنفسي العلوي، و(380) ألف أصيب بالإسهال، و(78,800) ألفًا أصيبوا بالجرب، و(47,800) حالة يرقان في غزة منذ السابع من أكتوبر، كما أن أمراض الجهاز التنفسي العلوي يمكن أن تُسبب وفاة الأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة، كما أن هناك عدة أمراض منتشرة في الجهاز الهضمي وخصوصاً عند الأطفال ما دون السن الخامسة، فهم أكثر عرضة للخطر وقد تؤدي هذه الأمراض إلى الوفاة.[12]

 

 ومع إغلاق معبر رفح منذ تاريخ 7 مايو/أيار 2024، توقفت التطعيمات الروتينية، ونقصت الأدوية اللازمة لعلاج الأمراض، وبعد الدخول البري للاحتلال إلى محافظة رفح، ونزوح المواطنين إلى أماكن محددة مكتظة بالنازحين، ساعد ذلك في انتقال العدوى بشكل كبير بينهم. وفي ظل محدودية الوصول للمستشفيات والمرافق الصحية وعدم القدرة على الحصول على العلاج المناسب، ضاعف ذلك من انتشار الأمراض المعدية التي قد تشكل خطرا على حياة السكان، خصوصاً مع عدم وجود نظام صحي يستطيع متابعة المرض واكتشاف مبكر للأمراض المعدية وطرق للوقاية منها. 

بالإضافة إلى تواجد أعداد كبيرة تقدر بالآلاف من جثث المواطنين تحت أنقاض البنايات المدمرة، ومقابر جماعية تم اكتشفاها لاحقاً داخل المستشفيات، منها مستشفى الشفاء في غزة، ومستشفى ناصر في خانيونس، في وقت يواجه الدفاع المدني الفلسطيني تحديات هائلة في انتشال الجثث بسبب نقص المعدات والآلات الثقيلة والأفراد، مما قد يؤدي إلى تفشي عدد من الأوبئة الفتاكة بين الفلسطينيين، في غياب شبه تام للمنظومة الصحية.[13]

بحسب سيغريد كاغ، كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية وشؤون إعادة الإعمار في غزة، خلال جلسة أمام مجلس الأمن بتاريخ 24 أبريل/نيسان 2024، "دُمرت البنية التحتية الصحية في غزة، وتكافح المستشفيات القليلة التي لا تزال قائمة في سبيل مزاولة عملها بسبب النقص الحاد في الإمدادات وانقطاع الكهرباء المتكرّر، ومع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، يتزايد خطر انتشار الأمراض المعدية في غزة.

يوسف سعد أبو سمرة،29 عاماً، من سكان خانيونس ونازح في رفح، مصاب بكبد وبائي درجة A، أفاد بما يلي:

"في 13 أبريل/نيسان 2024، ظهرت علي أعراض المغص الشديد والاصفرار والغثيان والإرهاق الشديد، توجهت إلى مستشفى أبو يوسف النجار في رفح، ولكن بسبب الضغط الشديد لم استطيع إجراء الفحوصات فتوجهت إلى طبيب خاص، اكتشفت فيما بعد أنني مصاب بالكبد الوبائي درجة ""A، ولأنني كنت نازح في رفح وأعيش في منزل يتواجد فيه ما يقارب 20 شخص من ضمنهم أطفال، لم استطيع عزل نفسي، ولم أتمكن من توفير الغذاء المناسب اللازم لمساعدتي على الشفاء. وبعد فترة، أخذت أعراض المرض تظهر على أطفالي، نور الدين، 3 سنوات، ومجدي، سنة ونصف، وظهر عليهما الهزال الشديد والشحوب. اعتقدت أنهما أصيبا بمرض الكبد الوبائي، فتوجهت بهما إلى عيادة الطبية في إحدى مدارس الأونروا، وجرى تشخيصهم بسوء التغذية بسبب عدم توفر غذاء جيد وصحي لا سيما الحليب والخضار والفواكه".

روزان رامي أحمد فروانة، 16 عاماً، من سكان خانيونس ونازحة في رفح، مصابة بكبد وبائي درجة A، أفاد والدها بما يلي:

"في 24 فبراير/شباط 2024، كانت تعاني ابنتي روزان من إرهاق شديد فتوجهت بها إلى المستشفى، وتم تشخيصها بمرض الكبد الوبائي "A ولأننا نعيش في مخيم من مخيمات النزوح في تل السلطان برفح مع باقي الأسرة، ولا يوجد متسع لتعزل روزان نفسها. ولم أكن قادراً على توفير الغذاء اللازم لها. انتقلت العدوى إلى جميع من كان في الخيمة، حيث كان استخدام الماء والحمام والاستحمام في مكان واحد لجميع المخيم بالتناوب".

وبحسب الدكتورة ربا المدهون، أخصائية النساء والولادة، وتعمل حالياً في المستشفى الميداني للهيئة الطبية الدولية (IMC):

يوجد في غزة حوالي (50,000) سيدة حامل، 90 % منهن يعانين من الالتهابات المهبلية الفطرية أو البكتيرية، أي ما يعادل ضعف النسبة خلال الحمل في الظروف الطبيعية، ويعزى ذلك إلى قلة النظافة الشخصية نظراً لازدحام الأماكن والاستخدام المشترك لدورات المياه العامة، وانعدام الخصوصية وتلوث المياه والرطوبة. تؤثر هذه الالتهابات المهبلية سلباً على الأم والجنين. وتعاني أغلب السيدات الحوامل من الحكة الشديدة بالإضافة إلى إمكانية انتقال بعض الميكروبات إلى الجنين. وتزداد المعاناة بعدم توفر وشح الأدوية المطلوبة. حتى وبعد صعوبة الحصول على العلاج، ونظراً لاستمرار وجود العوامل المسببة لهذه الالتهابات، تتكرر المعاناة والشكوى.[14]

كما يعاني قطاع غزة من شح المياه ومواردها نتيجة الحصار والقيود المفروضة على البنية التحتية، أي أن نسبة حصول الأفراد في قطاع غزة في الوضع الطبيعي ضئيل جداً، ولا يحصلوا على المياه الكافية، ولكن ازدادت معاناة الأفراد في الحصول على المياه بعد السابع من أكتوبر، وذلك بسبب توقف مصادر المياه الأساسية بسبب انقطاع التيار الكهربائي من جانب وعدم تشغيل الآبار وتوقف عمل البلديات، ومن جانب آخر استهداف البلديات ومصادر المياه والآبار وعدم الوصول إلى المياه النظيفة والصحية، وتكدس النازحين في مناطق محددة ومكتظة بالمكان، أدى إلى تقاسم المياه بين عدد كبير من الأفراد، واستخدامهم لمياه البحر، وانتظار دخول المساعدات من المؤسسات الإغاثية.

بحسب كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لليونيسف، "إن عدم توفر مياه آمنة سيؤدي إلى وفاة مزيد من الأطفال قريباً بسبب الأمراض، وأن الحصول على كميات كافية من المياه النظيفة هو مسألة حياة أو موت مما يضطر الأطفال وأسرهم إلى استخدام المياه من مصادر غير آمنة شديدة الملوحة أو ملوثة". وأضافت أن الحد الأدنى الذي يجب أن يحصل عليه الفرد من المياه للبقاء هو ثلاث لترات في اليوم، إلا أن الأطفال لا يحصلون إلا على ما بين1.5  و 2لتر يومياً.[15]خان يونس _ حي الأمل_17/5/2024

خانيونس- حي الأمل- 1/5/2024

أمين مسعود حواس، يبلغ من العمر 34 عاماً، نازح في رفح، أفاد بما يلي:

"متزوج ولدي 3 أطفال، من مدينة غزة، بسبب القصف الشديد وبعد أوامر الاخلاء، نزحت إلى رفح وأقمت خيمة لا تتعدى المترين في ظروف إنسانية صعبة ونقص حاد في المياه الصالحة للشرب. انتشرت المياه العادمة في كل مكان، وأدى ذلك إلى انتشار الحشرات وإصابة بناتي الثلاثة (7 سنوات ،4 سنوات، سنة ونصف) بطفح جلدي وحساسية في الجسم، وأصيبت زوجتي بالكبد الوبائي.

الخاتمة والتوصيات:

تشير المعلومات الواردة في الورقة، وإفادات شهود العيان، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت بشكل متعمد وممنهج المرافق الأساسية التي لا غنى عنها لحياة السكان، لا سيما المستشفيات والمراكز الصحية، التي أخرجت أغلبها عن الخدمة، ما فاقم من الأزمة الصحية في قطاع غزة.

وعملت قوات الاحتلال من خلال أوامرها بتهجير السكان إلى مناطق محددة، أصبحت مكتظة بالنازحين، غير مهيأة، وتفتقر للبنية التحتية، كإمدادات المياه ومياه الشرب، ومحطات الصرف الصحي، وفي ظل تراكم النفايات وانتشار الروائح الكريهة، على تعريض حياة المدنيين لجميع أنواع الخطر، وضاعف من سهولة انتشار الأمراض والأوبئة في ظل استهداف كامل للمنظومة الصحية وعجزها عن تقديم خدماتها.

وحتى هذا الوقت، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي جريمة الإبادة الجماعية بكل أشكالها، وتشن مئات الغارات يومياً عبر الجو والبر والبحر، وتمنع وصول المساعدات وإمدادات الوقود والغذاء والدواء، وتفاقم من الأزمة الإنسانية التي يعيشها المدنيون، لا سيما في أماكن النزوح وتعرض حياتهم بشكل مباشر للموت.

يطالب مركز الميزان لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بالتحرك الجاد والفوري لإجبار دولة الاحتلال الإسرائيلي على وقف إطلاق النار، والانسحاب من الأماكن التي تسيطر عليها، وإنهاء حصارها لقطاع غزة، وضمان احترام قوات الاحتلال للتدابير الاحترازية التي أقرتها محكمة العدل الدولية الخاصة بمنع ارتكاب إبادة جماعية، لا سيما المادة الثانية من الاتفاقية، التي نصت على أن إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً يعتبر شكل من أشكال جريمة الإبادة الجماعية.

ويطالب المركز المجتمع الدولي بضرورة الضغط على قوات الاحتلال من أجل ضمان دخول ووصول المساعدات الإنسانية من الغذاء والدواء والوقود اللازم لتشغيل المستشفيات والمرافق التي لا غنى عنها لحياة السكان، وبكميات تكفي لسد حاجتهم، وإتاحة المجال أمام المنظمات الدولية لمباشرة أنشطتها الإغاثية.

 


[1] بيان صحفي بمناسبة اليوم العالمي للصحة، جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، بتاريخ 7/4/2023، عبر الرابط: https://pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=4488 .

[2] مقال حول (مستشفيات قطاع غزة.. تاريخ من الاستهدافات الإسرائيلية)، موقع الجزيرة، 16/11/2023، عبر الرابط:https://www.ajnet.me/encyclopedia/2023/11/  ، تاريخ الزيارة 21/5/2024، الساعة 9:00.

[3] مؤسسة الدراسات الفلسطينية، تقرير واقع ومقومات القطاع الصحي في قطاع غزة خلال الحرب 2024، https://www.palestine-studies.org/ar/node/1655139

[4] تصريح صحفي لبلدية دير البلح، بتاريخ 20/4/2024، عبر الرابط: https://www.facebook.com/photo?fbid=814813177344320&set=a.465231572302484&locale=ar_AR

[5]حرق (4) مخازن للصيدلة تابعة لوزارة الصحة وهي: مخزن الشيخ رضوان ومخزن صبحي الحرازين في الشجاعية، ومخزن الصحابة (1) مخزن الصحابة (2) بتاريخ 18/01/2024.

[6] مقال حول مستشفيات قطاع غزة.. تاريخ من الاستهدافات الإسرائيلية، مرجع سابق.

[7] بيان صحفي صادر عن منظمة الصحة العالمية، منظمة الصحة العالمية تحذر من انتشار الأمراض المعدية في غزة، بتاريخ9/11/2023، https://news.un.org/ar/story/2023/11/1125857

[8] بيان صادر عن وزارة الصحة بغزة، بتاريخ 27/4/2024م.

[9] تقرير لوزارة الصحة الفلسطينية بتاريخ 31 مايو/أيار 2024، نشرته على قناة التليجرام الخاصة بها على الرابط التالي: https://t.me/MOHMediaGaza/5482

[10] تقرير لوزارة الصحة الفلسطينية بتاريخ 3 مايو/أيار 2024، نشرته على قناة التليجرام الخاصة بها على الرابط التالي: https://t.me/MOHMediaGaza/5401

[11] تحديثات المكتب الاعلامي الحكومي في غزة، لليوم 240 للعدوان على قطاع غزة، 2/6/2024.

[12] مارجريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، تصريح إعلامي لوكالة الأناضول بتاريخ 2/5/2024، https://www.aa.com.tr/ar/الدول-العربية/غزة-الصحة-العالمية-تحذر-من-مشاكل-صحية-مع-ارتفاع-الحرارة/3207943

[13] مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة نقلا عن الدفاع المدني الفلسطيني، أخبار الأمم المتحدة، 1/5/2024م.

[14] الدكتورة/ ربا المدهون، أخصائية النساء والولادة، وتعمل في المستشفى الميداني للهيئة الطبية الدولية IMC، مقابلة عبر الاتصال الهاتفي.

تصفح المزيد

ذات صلة