بيانات صحفية

نكبة فلسطين جريمة مستمرة

مركز الميزان يطالب المجتمع الدولي بالعمل على إنهاء الاحتلال وتفعيل مبدأ المسائلة والمحاسبة لإنتهاكات قواعد وأحكام القانون الدولي

    Share :

15 مايو 2022 |Reference 26/2022

يأتي يوم النكبة الفلسطيني الذي يُصادف الخامس عشر من أيار/ مايو من كل عام؛ وما تزال المظلمة الفلسطينية تشهد اتساعاً في مداياتها وتنوعاً في أنماطها، فلم تعد تقتصر جريمة التهجير القسري التي حدثت في العام 1948م على نطاق محدود من فلسطين التاريخية فحسب، وإنما امتدت إلى معظم الجغرافيا الفلسطينية، الأمر الذي أسبغ عليها طابع الجريمة المستمرة، وهو ما يُشكل طعنة في خاصرة العدالة الدولية، وتبديداً للجهود التي باشرها المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، في حفظ الأمن والسلم الدوليين وتعزيز احترام حقوق الإنسان، وتحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، من خلال صوغ وتطوير أحكام القانون الدولي الإنساني، التي تُحرم بشكل لا لبس فيه جريمة تهجير السكان الأصليين من مناطق سكنهم، وأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان التي تكفل حق الشعوب في تقرير مصيرها، الأمر الذي تنتهكه وبشكل منظم دولة الاحتلال.

 

وفي هذا الإطار تُشير البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي سيطر خلال النكبة في العام 1948 على (774) قرية ومدينة فلسطينية، وقام بتدمير (531) منها بالكامل وما تبقى تم اخضاعه إلي دولة الاحتلال وقوانينها، ونجم عن النكبة تشريد ما يزيد عن (800) ألف فلسطيني، وهم من أصل (1.4) مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948. ومنذ ذلك التاريخ تضاعف أعداد الفلسطينيين وأصبح عددهم في نهاية عام (2020) نحو (13.7) مليون نسمة، مما يشير إلى تضاعفهم حول العالم أكثر من (9) مرات، أكثر من نصفهم (6.8) مليون نسمة يقيمون في فلسطين التاريخية منهم (1.6 مليون في المناطق المحتلة عام 1948). وبحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فإن عدد اللاجئين المسجلين في كانون ثاني 2020 بلغ حوالي (6.3) مليون لاجئ فلسطيني، يعيش ما نسبته (28.4%) منهم في (58) مخيماً رسمياً تابع للأونروا في الأردنولبنان، وسوريا، والضفة الغربية وقطاع غزة.[1]

 

وتستمر سلطات الاحتلال في استكمال فصول النكبة، من خلال مواصلة الاستيلاء على أجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإقامة مستوطنات عليها وتوسيع القائم منها وإقامة مناطق حدودية مقيدة الوصول برية وبحرية شمال وشرق وغرب قطاع غزة، من خلال استخدام القوة العسكرية، الأمر الذي تسبب في ترك السكان لأراضيهم ومناطق سكناهم، خشية على حياتهم، إضافة إلى استهداف أحياء مدينة القدس العربية وخاصة حي الشيخ جراح، التي سعت من خلالها دولة الاحتلال إلى تهجير السكان من منازلهم وافراغها منهم والغاء الطابع العربي الإسلامي والمسيحي للمدينة.

 

وتأكيداُ لاستمرار فصول جريمة التهجير القسري، رفضت المحكمة الإسرائيلية بتاريخ 4/5/2022م التماساً مقدم من قبل أهالي قرى منطقة مسافر يطا الواقعة جنوب الخليل في الضفة الغربية، للاعتراض على قرار صادر عن سلطات الاحتلال في عام 1981م، ويقضي بإغلاق المنطقة بشكل كلي، وتهجير سكانها، والذي يبلغ عددهم حوالي (4000 فلسطيني)،  وتحويلها إلى منطقة عسكرية، مما يكرّس دور القضاء الإسرائيلي في منح غطاء قانوني للانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة والمنظمة، بالرغم من أن جريمة التهجير القسري تُعد من بين الجرائم المحظورة بموجب أحكام القانون الدولي.

 

 هذا بالإضافة إلى جدار الفصل العنصري الذي أقامته دولة الاحتلال عام 2002م على طول حدود الضفة الغربية مع دولة الاحتلال، واستولت على أراضي السكان وهجَرتهم، وهو ما اعتبرته محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر بتاريخ 9/7/2004م  غير قانوني، بالنظر إلى كونه يمَّس بمختلف الحقوق المكفولة بموجب الاتفاقيات والمواثيق التي وقعت دولة الاحتلال عليها كالحق في حرية الحركة، والحق في عدم التدخل في الخصوصية المكفولان بدلالة المادتين (12، 17) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك الحق في العمل والحق في مستوى معيشي لائق، والحق في الصحة والتعليم، والسكن المكفولة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 

إن مركز الميزان يرى في جملة الإجراءات الإسرائيلية التي رافقت النكبة ولازالت، محاولة خطيرة لتقويض وتبديد الحقوق الجماعية للفلسطينيين، ولاسيما السياسية والقانونية منها، حيث يُمثل إجبار الفلسطينيين بالقوة على ترك منازلهم وممتلكاتهم انتهاكاً صريحاً لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م، وميثاق روما المُنشئ للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998م، وإلى غير ذلك من أحكام القانون الدولي. كما يُشكل التهجير حرماناً للشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره، وانتهاكاً للقرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا سيما القرار رقم (3236) الذي أكد على حق الفلسطينيين في تقرير المصير والاستقلال والسيادة، وتُشكل الأثار التي نجمت عن عمليات التهجير، انتهاكاً للحق في حماية الممتلكات الخاصة، والحق في الحياة، والحق في حرية الحركة والتنقل والحق في الحرية الشخصية، وإلى غير  ذلك من الحقوق التي تجاوزتها سلطات الاحتلال في معرض قيامها بتهجير الفلسطينيين، والمكفولة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.

 

مركز الميزان يدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة غير القابلة للتصرف، واتخاذ التدابير كافة التي من شأنها تطبيق القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الفلسطينيين، والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية وتفعيل مبدأي المسائلة والمحاسبة، وإنصاف وجبر أضرار الضحايا، ممن تضرروا من جريمة التهجير القسري وغيرها من الجرائم، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي امتثالاً لأحكام القانون الدولي.

انتهى


[1] بيانات صادرة بالخصوص عن جهاز مركز الإحصاء الفلسطيني، بتاريخ 10/5/2021م