من يوميات الحرب

اليوم الخامس: استهداف الفرق الطبية

    شارك :

31 ديسمبر 2009

  يوم الأربعاء 31 ديسمبر 2009 جرح العديد من الفلسطينيين في منطقة جبل الريس شمال شرق مدينة غزة.
أسرع الدكتور إيهاب المدهون، البالغ من العمر (33 عاماً)، وهو يعمل مدير عيادة الزيتون في مدينة غزة ومعه كلا من سائق الإسعاف عصمت عجور، البالغ من العمر (30 عاماً)، وكذلك المسعف سعيد أبو حصيرة، البالغ من العمر (30 عاماً)، ذهبوا جميعا لإنقاذ الجرحى.
وبمجرد خروجهم من سيارة الإسعاف استهدفتهم الطائرات الحربية الإسرائيلية.
كان عصمت الناجي الوحيد من بينهم.
وقتل محمد على الفور أما إيهاب فقد توفي في اليوم التالي.
التقى مركز الميزان لحقوق الإنسان بأرملة الدكتور إيهاب السيدة روشانا المدهون، البالغة من العمر (28 عاماً)، كما التقى الميزان بأخيه إياد المدهون، البالغ من العمر (35 عاماً)، وذلك بعد عام تقريبا على مقتل الدكتور إيهاب.
  أداء الواجب 'كان يؤدي واجبه في ذلك اليوم' وتواصل روشانا، ذهب لينقذ الجرحى.
جاءت إلي أخت زوجي وأخبرتني انه أصيب فأخبرتها أنا كنت أجهز نفسي لما هو أسوأ من ذلك.
كان لدي إحساس دائم بأنه يوماً ما سيخرج ولن يعود.
ردَّت عليَّ أخت زوجي :'لا تقولي ذلك سيكون على ما يرام'.
وجاءت في اليوم التالي وكانت تبكي.
لم أعرف سبب بكائها.
اعتقدت أنها تبكي على الفلسطينيين الذين قتلوا أو جرحوا في ذلك اليوم لأن مشاهد القتل اليومي تدمي القلوب.
صدمت كثيرا عندما أخبرتني .
.
.
شعرت بالدوار ولم استطع التنفس .
.
.
شعرت بالعجز ولم استطع أن افعل شيء حتى أنني نسيت أمر أطفالي.
كانوا يأخذوني إلى بيت العزاء وكانوا يخبروني أين أجلس وماذا أفعل.
كنت أفكر 'كيف سأتأقلم ؟ أنا وحيدة الآن' لم أكن اصدق أنه قتل.
'.
  تخطط روشانا الروسية الأصل للبقاء في قطاع غزة مع أطفالها نور ذات التسعة أعوام وسجود، البالغة من العمر (8) سنوات، و خالد، البالغ من العمر (6) سنوات، و أمل، البالغة من العمر سنتين.
 وتستطرد روشانا ' لم أتخيل أن الأمر صعب إلى هذا الحد، وما زاد في صعوبته هو أني من بلد أخر.
قابلت زوجي في روسيا قبل عشر سنوات حيث كان يدرس الطب في روسيا.
تركت بلدي وأهلي وانتقلت للعيش في غزة مع زوجي.
عندما جئت إلى غزة وجدت الكثير من الناس يقتلون، اعتدت أن اسأل زوجي 'ماذا سأفعل إذا مت أنت؟'.
فأخبرني بأنه علي البقاء في غزة.
وعندما قتل طلبت مني عائلتي في روسيا أن أترك غزة وأن أعود إلى روسيا ولو لبعض الوقت.
ولكن هناك شيء ما يربطني بغزة.
لقد ساعدني أهل زوجي كثيرا لكي أتأقلم مع الوضع الجديد.
فأنا أقضي معهم طول الوقت بعد مقتل إيهاب.
لم يتركوني وحيدة.
بحثت عن عمل وأنا الآن مدرسة في روضة للأطفال.
هكذا أنا أحاول أن أتأقلم.
'.
إياد غاضب جدا لمقتل أخيه الدكتور إيهاب.
'طبيب.
.
في سيارة إسعاف.
.
يرتدي السترة الخاصة والشارة الطبية.
كان واضحاً أنه ليس مقاتل.
حتى أنه أخبر المسعفين الذين كانوا معه بألا يحملوا الحمالة الطبية التي كانت داخل سيارة الإسعاف حتى لا يظن الإسرائيليون أنها سلاح.
كان حذراً.
نريد من الإسرائيليين أن يتوقفوا عن قتل المدنين والأطباء والأطفال.
' إياد لا يعتقد بان قتلة أخيه سيقدمون للعدالة.
'إسرائيل تواصل عملياتها العسكرية وتقترف العديد من جرائم الحرب ولكن لا شيء يحدث.
' روشانا قلقة بعد مقتل زوجها على أطفالها.
'يعتبر مقتله بمثابة كارثة لنا.
ولقد اثر مقتله بشكل كبير على ابنتنا نور.
فقد أصبحت انطوائية بعد مقتل أبيها وتبكي طوال  الوقت.
حتى الآن عندما ترى صورة والدها تبكي.
لقد كانت أمل قريبة جداً من والدها بالرغم من صغر سنها.
عندما ترى رجلا يحمل حقيبة مثل والدها تعتقد انه هو.
عندما يرن هاتفي الجوال يعتقد أبنائي بأن المتصل هو والدهم.
وخلال فترة عيد الفطر أصبح الأطفال كئيبين جدا حيث يرون أعمامهم يأخذون أبناءهم وبناتهم ويتفسحون خارج البيت ويقولون لي 'لقد كان والدي يأخذنا معه في مثل هذه الأيام، من سيأخذنا الآن؟'.
لقد كانت الحياة صعبة حتى بوجود زوجي إيهاب.
أما الآن فقد أصبحت الحياة أكثر صعوبة.
فأنت تشعر بأنك في سجن.
من الصعب السفر والذهاب والإياب.
لا أزال أعاني نفسياً من الحرب الأخيرة وأنا خائفة جدا مما قد يحدث.
وأطفالي كذلك خائفين جداً ودائما يرددون 'أنا خائف أنا خائف' ولا يريدون أن يبقوا لوحدهم.
يقول الناس بان النسيان يجعل الأمور أكثر سهولة وأنني مع الوقت سأتخلص من معاناتي ولكن الأمور بالنسبة لي عكس ما يقولون فكلما مضى الوقت كلما زادت معاناتي وشعوري بالوحدة وافتقاد إيهاب، إن الذكرى تؤلمني أكثر وأكثر، فأنا وحيدة الآن.
يعتبر إيهاب ومحمد اثنين من بين سبعة عشر شخصاً ممن يعملون في مجال الطوارئ، قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلية أثناء تأديتهم لواجبهم أثناء عملية الرصاص المصبوب.
هذا بالإضافة لإصابة خمسين شخصا آخرين ممن يعملون في مجال الطوارئ بالرغم من أن اتفاقيات جنيف توفر حماية للعاملين في  مجال الطوارئ .