من يوميات الحرب

اليوم الأول: 96 أرملة و 254 يتيماً

    شارك :

27 ديسمبر 2009

 اليوم الأول: 96 أرملة و 254 يتيماً شنت دولة إسرائيل عملية الرصاص المصبوب في تمام الساعة 11:30 صباحا يوم السبت 27 ديسمبر 2008 .
بدأت العملية بهجوم مفاجئ من قبل الطائرات الإسرائيلية التي قصفت العشرات من المنشآت المدنية في قطاع غزة من بينها 24 مركز شرطة.
وفي الدقائق القليلة الأولى للعملية قتل 130 شرطيا مخلفين وراءهم 96 أرملة و 245 طفلا يتيما.
ولقد كان فايز المدهون والبالغ من العمر 33 عام من بين الذين قتلوا أثناء الهجوم على مركز شرطة مدينة الزهراء.
بعد مضي عام على مقتله  أجرى مركز الميزان لحقوق الإنسان مقابلة مع كل من والدته أم فايز والبالغة من العمر 50 عام وزوجته رائدة والبالغة من العمر 29 عام.
  عائلة المدهون 'انضم فايز للشرطة في عام 2006' أشارت رائدة.
'كنا نعيش مع أهل زوجي قبل ذلك ولكن بعد حصوله على عمل تمكنا من شراء قطعة ارض وبناء منزل لنا.
كان فايز يجب الانضباط.
وقد سمع أن الشرطة ستكون منظمة  وعادلة ولن يكون هناك واسطة أو محسوبية في التعيين.
بدا عمله في الدوريات الراجلة في الشوارع واستمر ذلك لمدة سنتين ولكنه أصيب في احد التوغلات الإسرائيلية.
فقد أصيب بشطية وفقد البصر في إحدى عينيه.
' وأضافت أم فايز :' أراد أن يبقى في الشرطة لم يكن يريد أن يفقد عمله لذلك وجدت له الشرطة عملا في المطبخ التابع لها.
كان يجيد الطبخ ولكنه في البداية لم يكن يعرف كيف يطهو الرز وساعدناه على تعلم ذلك حتى أتقنه'.
  يوم الهجوم ' في ذلك الصباح، عندما غادر المنزل متوجها إلى عمله قام بقطع بعض الأغصان من الشجرة المتسلقة المزروعة عند مدخل المنزل' قالت رائدة.
'قال انه يريد أن يعمل عريشة لتلك الشجرة، كي تتسلق عليها، بعد عودته من العمل.
قال أننا سنقوم بعملها مع بعضنا.
هذا كان أخر ما قاله لي.
أنا أكره هذه الشجرة الآن.
اشعر بأنها فال شؤم'.
كانت أم فايز أول من سمع خبر الاستشهاد.
' سمع إبراهيم (أخو فايز) بالهجمات الإسرائيلية وذهب إلى المستشفى للتبرع بالدم.
ووجد جثة أخيه فايز بين القتلى.
وعلى الفور جاء إلي وأخبرني.
بدأت اصرخ وأصيح 'ما الذي تقوله؟ ما الذي تقوله؟' كان فايز ابني البكر ولا لم أكن اصدق بأنه قتل.
'   على الأطفال أن يتأقلموا مع الوضع الجديد 'لدي أربعة أطفال.
رائد يبلغ من العمر 10 سنوات و محمد يبلغ من العمر 8 سنوات و احمد  7 سنوات و مي تبلغ من العمر سنتين' تقول رائدة.
' كانت مي صغيرة جدا عندما قتل أباها فلم تفهم أي شيء.
كانت تخبر الناس الذين يأتون إلينا بان والدها ذهب ليزور أمه وكانت تطلب منهم أن يحضروا أباها إلى منزلهم.
لقد اعتاد فايز أن يأخذ أولادنا لزيارة قبر جده وقراءة القران لجدهم الأكبر.
  لقد دفنوا فايز في نفس القبر مع جده.
حاولت أن اشرح لأطفاله بان أبيهم مدفون مع جدهم الأكبر الآن.
ولكن الأطفال لم يصدقوني.
ويقولون لي باستمرار ' لا إن جدنا الأكبر مدفون هنا وليس والدنا'.
فقط رياض ذي العشر أعوام هو من فهم.
أصبح الأطفال ملتصقين بي الآن.
لا يريدون أن يبقوا لوحدهم.
وابني احمد يقول لي باستمرار ' أمي، لو انك متي من أين لي بعائلة؟ أين سنذهب؟'.
لقد تغير رياض كثيرا.
لقد أصبح ناضجا أكثر.
ربما لأنه يشعر بأنه المسئول الآن لأنه الابن الأكبر.
كان يخاف من الظلمة كثيرا ولكنه الآن أكثر شجاعة.
لقد اخبرنا الأخصائي الاجتماعي في المدرسة بان ابني محمد أصبح يميل للوحدة الآن ولم يعد يلعب مع أصدقائه كما كان في السابق.
وبدا ابني أحمد أكثر مشاكسة وعنفاً مع أصدقائه وزملائه في الصف.
كان يتشاكس مع أصدقائه من قبل ولكنه الآن أصبح يتشاكس معهم بصورة اكبر.
وهذا يقلقني كثيرا.
'   وضع الأرامل في غزة تعتبر رائدة واحدة من بين 589 أرملة (تشير مصادر التوثيق في مركز الميزان إلى أن عدد الأرامل المشار إليه هو عدد الشهداء من الرجال المتزوجين مع حذف الحالات التي قتل فيها الزوج واللزوجة معاً واحتسب عدد المتزوجين من أكثر من واحدة.
) جديدة ممن فقدن أزواجهن بسبب الهجمات الإسرائيلية الأخيرة خلال عملية الرصاص المصبوب.
ومع عدم وجود فرص عمل كثيرة للنساء في غزة التي تعاني من الفقر الشديد فقد أصبحت هؤلاء الأرامل الجدد مصدر الدخل الوحيد لعائلاتهم وازداد الفقر في قطاع غزة بصورة اكبر واشد.
' الحياة بدونه صعبة .
علي تحمل مسؤولية كل شيء، وتوفير المال لتشطيب المنزل.
لم أكن أدرك قبل وفاته بأن تكاليف الحياة غالية .
لقد تداينت بعض النقود من والدي وأنا أحاول الآن تشطيب منزلي.
في السابق كنت أصر على فايز ليكمل المنزل ولكني لم أكن أدرك كم كان غاليا.
تمنيت لو أني أدركت ذلك قبل وفاته.
وبدعم من والدة فايز تمكنت رضا من البقاء في بيت زوجها.
حيث أن مجتمع غزة المحافظ يفرض على الأرامل والمطلقات الرجوع إلى بيت والدهم بعد الطلاق أو الوفاة.
' انه منزلها' قالت أم فايز.
'عليها أن تبقى في منزلها.
و أنا اقضي الكثير من الوقت معها ومع الأطفال، فعادة ما أنام في منزلهم واذهب معها إلى السوق لأنه من الصعب عليها أن تذهب إلى السوق لوحدها.
حيث إن الناس يتكلمون كثيرا عن النساء الأرامل.
فهم ينشرون الشائعات ويتساءلون أين تذهب تلك الأرملة لوحدها.
    نظرة نحو العدالة تصنف الحكومة الإسرائيلية الشرطة الفلسطينية في غزة على أنهم مقاتلين غير شرعيين مدعية أن السبب في ذلك يرجع لأنهم جزء من البنية التحتية العسكرية لحماس.
إن هذا الادعاء لا يتوافق مع متطلبات القانون الدولي الإنساني.
لقد أكد تقرير الأمم المتحدة الخاص بتقصي الحقائق بان الشرطة الفلسطينية في غزة هي وكالة لإنفاذ القانون وأن منتسبيها مدنيين ويتمتعون بالحماية المكفولة لهم وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة.
وفي استهدافها المتعمد للمدنين تكون إسرائيل قد ارتكبت جرائم حرب.
إن التجارب التي عاشتها رضا تركتها تعيش على أمل بسيط ' كل مرة يجتاح الإسرائيليون غزة يتم إرسال أشخاص من حقوق الإنسان لعمل تحقيقات.
ويقولون بان إسرائيل قد ارتكبت جرائم حرب.
لكن لا شيء يحدث على أرض الواقع.
فالإسرائيليون يعودون مرة أخرى.