بيانات صحفية

في اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، مركز الميزان يطالب المجتمع الدولي بوقف جريمة الإبادة الجماعية، وتكثيف جهود الغوث وتوفير حاجات الأشخاص من ذوي الإعاقة

    شارك :

3 ديسمبر 2024

يحتفل العالم في الثالث من كانون الأول/ ديسمبر باليوم العالمي للأشخاص من ذوي الإعاقة، وأعلنت الأمم المتحدة شعاراً للفعاليات هذا العام وهو "لا شيء عنا بدوننا". ويرمز الشعار إلى المتطلبات الأساسية للمشاركة والتمثيل والإدماج ويدعو الأشخاص ذوي الإعاقة إلى تشكيل ظروف حياتهم بشكل نشط، وهو شعار دمرته قوات الاحتلال وفيما ضاعفت من أعداد الأشخاص من ذوي الإعاقة، جراء الإصابة بإعاقات نتيجة الهجمات الحربية التي تستهدف المدنيين، فقد دمّرت أي فرصة أمامهم للمشاركة، بل وللنجاة بحياتهم.

ويجدر التأكيد على أن معاناة الأشخاص من ذوي الإعاقة تتفاقم بسبب جريمة التهجير القسري، والنزوح المتكرر، وصعوبة تحركهم وانعدام قدرتهم على تلبية حاجاتهم الأساسية، فمن يستخدم كرسي متحرك دمر كرسيه في قصف، أو هو غير قادر على استخدامه، ولاسيما بعد أن جرفت قوات الاحتلال الطرق المعبدة، وحشرت النازحين في مناطق رملية يصعب فيها تحريك الكراسي المتحركة، ويضاعف طفح مياه الصرف الصحي، في معظم أرجاء مناطق النزوح، حرمانهم من القدرة على الحركة حتى بمساعدة آخرين.

وحول الأهوال التي يواجهها الأشخاص من ذوي الإعاقة، يورد المركز مقتطفات من إفادة ع. م. (52 عاماً)، مقعد يعاني من شلل رباعي، وزوجته كفيفة، اضطر لأن يدفع بناته للتوجه إلى جنوب القطاع بعد أوامر سلطات الاحتلال بإخلاء شمال قطاع غزة وآثر البقاء هو وزوجته لأنه يعتقد أنهما سيكونان عبئاً كبيراً إذا نزحا "اضطررت يوم 10/10/2023 أن أخرج من البيت وألجأ إلى جمعية جباليا لتأهيل ذوي الاعاقة مكان عملي ظناً أنه أكثر أماناً لأنه مبنى تابع لوكالة الغوث.. تنقلت في جباليا نفسها أكثر من 5 مرات مع كل اجتياح للمخيم ... أكثر من عام وأنا أنام على كرسي المتحرك ... معاناتي تعاظمت في الاجتياح الأخير لمعسكر جباليا الذي بدأ في 5/10/2024 كانت رحلة العذاب ولو كنت أعرف هذه المعاناة لبقيت أنتظر الموت في جباليا على أن أمر في طريق النزوح والذل إلى غرب غزة. كان لا بد أن أقطع مسافة أكثر من 1000 متر أنا وزوجتي المعاقة بصرياً، في طريق خطير جداً حيث إطلاق نار من طائرات كواد كابتر بشكل مستمر وعشوائي، وطريق مليء بالحفر وأنا على كرسي المتحرك عانيت جداً، وطبعاً لا يوجد إسعاف ولا أي وسيلة نقل،،، مررنا بنقطة الجيش،،، واستدعاني الجيش أنا وزوجتي للفحص الأمني وأمرنا بإلقاء كل ما نحمل من غذاء وأغطية... وأمرني أن أتخلص من أدواتي المساعدة ... بصعوبة بالغة وبالصدفة عند وصولي إلى غرب غزة التقيت بأحد الأقارب لمساعدتي في الإيواء حيث لم أكن أملك أي شيء ولا مكان أتوجه اليه،،، تواصلت مع أحد أقاربي لتوفير بعض الأغطية والمعلبات لعدم وجود جهات تهتم بالنازحين أو المعاقين بشكل خاص. فقدت أيضاً الأدوية الخاصة بي وهي غير متوفر في الصيدليات ... أنا موجود في منزل أحد الأقارب بالكاد أستطيع تدبير أموري أعاني الكثير من الأمراض والمضاعفات الجسدية والنفسية"

وفي إفادة أخرى تظهر معاناة الأشخاص من ذوي الإعاقة المضاعفة نورد مقتطفات من إفادة أسامة سليمان محمد أبو صفر، 42 عام، متزوج ولديه ثلاثة أطفال، من سكان المنطقة الوسطى، من ذوي الإعاقة الحركية، بتر في القدميين وعلى كرسي متحرك، وتكرر نزوحه أكثر من أربع مرات.

"منذ بداية الحرب بدأت معاناتي مع النزوح كوني على كرسي متحرك أعيل أسرتي ... بتاريخ 12/10/2023 تم استهداف المربع الذي اسكن فيه ونزحت للمرة الأولى ... إلى مدرسة وكالة ... بعد أقل من أسبوعين تم قصف مربع كامل بالقرب من المدرسة فنزحنا مرة أخرى ... كانت معاناتي أثناء النزوح في حمل أطفالي وأمتعتنا وعدم قدرتنا على التنقل من مكان الى مكان بسهولة، وكانت معاناتي تزيد بسبب وجودي في خيمة بدون حمام ووصولي إلى الحمامات العامة يحتاج إلى حركتي لمسافة بعيدة في الرمل".

وتتفاقم معاناة الأشخاص من ذوي الإعاقة في ظل الجوع الذي انتشر بين سكان القطاع كافة، واستمرار نقص الدواء والأغذية الضرورية لبعض هذه الفئات، وغياب خدمات التأهيل والتزويد بالأجهزة المساعدة، الأمر الذي ضاعف من معاناة آلاف الأشخاص من ذوي الإعاقة، وحرمهم من أي فرصة للوصول إلى المياه والغذاء والدواء والأجهزة المساعدة لكل الفئات سواء من يعاني من إعاقة حركية، أو سمعية، أو بصرية، أو المقعدين. كما تضاعف المجاعة من خطر إصابة المواليد بإعاقات دائمة في ظل نقص الرعاية الصحية والتغذية للحوامل والأطفال، حيث لم تعد الأمهات قادرات على الرضاعة الطبيعية ولا توجد بدائل للأطفال ما سيكون له أثراً خطيراً على صحة الأجنة وعلى مستقبل صحة المواليد.

وفيما ركزت قوات الاحتلال في هجماتها الحربية على استهداف المدنيين والأعيان المدنية والبنية التحتية، ولاسيما المساكن والمستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، بما في ذلك تدمير مراكز التأهيل التي تقدم خدمات التأهيل والأجهزة المساعدة للأشخاص من ذوي الإعاقة، من بينها مستشفى الشيخ حمد للتأهيل والأطراف الصناعية في شمال قطاع غزة، ومستشفى الوفاء للتأهيل الطبي، سواء المقر الرئيس في مدينة غزة - الذي سبق وأن دمر - أو المقر الفرعي في بلدية الزهراء جنوب مدينة غزة، ومركز الأدوات المساعدة التابع للإغاثة الطبية، ومقر الاتحاد الفلسطيني العام للأشخاص ذوي الإعاقة في محافظة الشمال، وجمعيات الصم، ومدينة الأمل لبناء القدرات التابع للهلال الأحمر في غزة. وحتى الاستراحة الوحيدة الموائمة للأشخاص ذوي الإعاقة على شاطئ بحر شمال غزة جرى تدميرها.

وقبل شروع قوات الاحتلال في جريمة الإبادة الجماعية قطع الأشخاص من ذوي الإعاقة في قطاع غزة شوطاً مهماً في سعيهم للمشاركة والاندماج، وأسسوا جمعيات خاصة وإذاعات محلية تعني بشئونهم، وقاموا بعشرات فعاليات الضغط والمناصرة لضمان الاندماج في سوق العمل وفرض احترام القانون الفلسطيني في هذا الصدد، وكذلك فيما يتعلق بالتعليم، إلا أن قوات الاحتلال دمرت كل المؤسسات سواء تلك التي تقدم خدمات لذوي الإعاقة أو مؤسساتهم التي أقاموها.

وترتفع أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة؛ بسبب الهجمات الحربية الإسرائيلية، التي تسببت في إصابة الآلاف بإعاقات دائمة، هذا بالإضافة إلى إعاقات الولادة، وقبل شروع قوات الاحتلال في جريمة الإبادة الجماعية بلغ عدد الأشخاص من ذوي الإعاقة (55.611) شخص في قطاع غزة، من بينهم (44.66%) من الإناث، و(17.44%) من الأطفال.  وتشير البيانات إلى أن الإعاقة الحركية هي الأكثر انتشاراً بين الإعاقات بواقع (53.67%)، فيما تشكل صعوبات الإبصار (17.47%). هذا وتصاعدت أعداد الأشخاص من ذوي الإعاقة بشكل مخيف مع استمرار جريمة الإبادة الجماعية للشهر الثاني من العام الثاني في قطاع غزة[1]. تسببت الهجمات الحربية الإسرائيلية في إعاقة (20.000) من بينهم (5.000) تعرضوا لإعاقات دائمة وتبلغ نسبة الأطفال منهم 15٪، فيما يحتاج (15.000) إصابة بحاجة إلى تأهيل ورعاية طبية لفترة طويلة لمنع تحولهم إلى ذوي إعاقة وهذا أمر غاية في الصعوبة في ظل انهيار النظام الصحي.[2]

وفي هذا السياق أشار الأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر صحفي في العاصمة المصرية "أن قطاع غزة يضم أكبر عدد في العالم من الأطفال مبتوري الأطراف نسبة إلى عدد السكان"، وتابع أن "المئات من مبتوري الأطراف يخضعون لعمليات جراحية دون بنج"، وأضاف أن "ما نشهده في قطاع غزة واحدة من أخطر الجرائم الدولية".

ويحمي القانون الدولي الإنساني الأشخاص ذوي الإعاقة في النزاعات المسلحة.، ولاسيما اتفاقية جنيف الرابعة المخصصة لحماية المدنيين وقت الحرب والبروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف. فيما يكفل القانون الدولي لحقوق الإنسان حقوقهم، ولاسيما نص المادة (11) من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، على أن الدول الأعضاء، وفقاً لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، عليها اتخاذ "جميع التدابير اللازمة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات الخطر، بما في ذلك حالات النزاع المسلح". من المهم الإشارة إلى أن دولة الاحتلال صادقت على الاتفاقية في عام 2012. كما يرسل إعلان “تعزيز حماية المدنيين من العواقب الإنسانية الناجمة عن استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان”، والذي تم اعتماده رسمياً في مؤتمر عقد في قلعة دبلن، إشارة قوية في جميع أنحاء العالم بأن إلحاق أضرار بالمدنيين وتدمير المدن ليس واقعاً يسعنا قبوله. ويعزز الإعلان احترام القانون الدولي الإنساني، لا سيما عبر إلزام الدول الموقعة بتقييد استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان أو الامتناع عنه في الحالات التي يؤدي هذا الاستخدام إلى إلحاق أضرار بالمدنيين.

ويذّكر مركز الميزان لحقوق الإنسان العالم بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2475، الذي يشير إلى حماية الأشخاص من ذوي الإعاقة في القانون الدولي، ويذكر الدول بالتزاماتها، ويحث جميع أطراف النزاعات المسلحة على اتخاذ التدابير الكفيلة بحماية المدنيين، ويخص الأشخاص من ذوي الإعاقة، ويشدد القرار على عدم السماح بإفلات المسئولين عن قتل وإصابة وتشويه المدنيين من المحاسبة.  

مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ يشدد على أن استمرار تنفيذ قوات الاحتلال لجريمة الإبادة الجماعية، التي اقتربت من استكمال شهرها الرابع عشر، هو التعبير الأشد فظاظة على فشل النظام الدولي، وما يثير الغضب أن العالم يبدو أكثر تسامحاً مع استمرارها، في ظل تصعيد قوات الاحتلال لأعمال القتل الجماعي الوحشية، واستمرار تدمير المساكن والممتلكات والبنية التحتية، الأمر الذي يفاقم من معاناة المدنيين ولاسيما الأشخاص من ذوي الإعاقة، وينذر باستمرار تعرض الجرحى للإعاقات الدائمة بسبب بتر الأطراف وإصابات الحواس السمعية والبصرية الشديدة، ما سيرفع أعداد الأشخاص من ذوي الإعاقة في قطاع غزة.

ويجدد مركز الميزان، مطالباته المتكررة بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، ووقف جريمة الإبادة الجماعية بحق المدنيين في قطاع غزة. كما يجدد مطالباته المتكررة للمجتمع الدولي، ولاسيما الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة، بالضغط على إسرائيل من أجل تطبيق قرارات مجلس الأمن، القاضية بوقف إطلاق النار وزيادة المساعدات الإنسانية والقرار رقم 2475، الذي يدعو جميع أطراف النزاع المسلح إلى اتخاذ كافة التدابير لحماية المدنيين ولاسيما الأشخاص من ذوي الإعاقة، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها دون عوائق للمدنيين وخاصة الأشخاص من ذوي الإعاقة. والشروع في اتخاذ التدابير الكفيلة بتطبيق رأى محكمة العدل الدولي الاستشاري بعدم شرعية وجود الاحتلال على الأرض الفلسطينية، والعمل على ضمان تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.

ومركز الميزان إذ يطالب بالتحقيق في الجرائم التي تسببت في إعاقات للمدنيين وفي الانتهاكات الموجهة للأشخاص من ذوي الإعاقة والتي حرمتهم من أبسط حاجاتهم الإنسانية، ولاسيما تدمير المؤسسات والمستشفيات التي تقدم خدمات التأهيل والرعاية الصحية لهم، فإنه يدعو وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية وكافة دول العالم إلى تكثيف جهود الإغاثة من غذاء ودواء والتركيز على الحاجات الماسة للأشخاص من ذوي الإعاقة ولاسيما الأدوية أو الأجهزة المساعدة.

انتهى



[1] راجع تقرير مركز الميزان السنوي حول واقع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في قطاع غزة، الصادر في مارس 2023 على الرابط: https://mezan.org/ar/post/45705 

[2] مقابلة أجراها باحث مركز الميزان مع د. زاهر الوحيدي مدير دائرة نظم المعلومات في وزارة الصحة بتاريخ 19/11/2024