20 نوفمبر 2025
لا زالت جرائم قوات الاحتلال الإسرائيلي مستمرة في سياق الإبادة الجماعية بالرغم من اتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار، حيث تواصل قوات الاحتلال قصف مناطق متفرقة من قطاع غزة بشكل شبه يومي، بما في ذلك المناطق السكانية وتجمعات المدنيين، ما تسبب في قتل (266) مواطناً، وإصابة (635) آخرين، منذ سريان تفاهمات وقف إطلاق النار، نسبة كبيرة منهم من الأطفال والنساء، وبذلك ارتفعت حصيلة الشهداء منذ أكتوبر 2023، إلى (69,483)، و(170,706) مصاباً، حوالي70% منهم من الأطفال والنساء.
وبعد إعادة انتشار قوات الاحتلال على حدود مدن قطاع غزة وفقاً للمرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، أبقت على سيطرتها المطلقة وتواجدها العسكري على مناطق واسعة شمال وجنوب وشرق قطاع غزة، ولا تزال قوات الاحتلال مستمرة في تدمير البنية التحتية هناك، وتنفذ عمليات نسف لمربعات وأحياء سكنية بكاملها خلف الخط الأصفر الذي حددته، شرق خان يونس ودير البلح وشرق غزة، وتسمع صوت الانفجارات وأصوات الآليات بشكل مستمر في تلك المناطق. وتستهدف قوات الاحتلال الفلسطينيين الذين يقتربون من تلك المناطق بهدف تفقد منازلهم أو جمع الحطب، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات منذ إعلان وقف إطلاق النار.
وتستحوذ إسرائيل وتسيطر على مساحات إضافية من بعد الخط الأصفر الذي اقتطع ما يزيد عن 52% من مساحة قطاع غزة، إذ حولت مساحة ما بين 300 و500 متر، على طول الخط الأصفر باتجاه تجمعات المدنيين، إلى منطقة عازلة تستهدف فيها أي جسم يتحرك داخلها وتنفذ بعض عمليات التوغل في تلك المناطق. وبذلك، لا تكتفي إسرائيل باقتطاع أكثر من نصف أراضي القطاع وفق الخط المعلن، بل إنها عملياً وعلى أرض الواقع تستولي على مساحة أكبر من ذلك بكثير.
وتواصل سلطات الاحتلال فرض عراقيل كبيرة أمام إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، خاصة تلك المتعلقة بالوقود والمستلزمات الطبية العاجلة لا سيما الأجهزة الطبية والمعدات اللازمة للمستشفيات. فحجم المساعدات التي يسمح بدخولها لا يغطي سوى نسبة ضئيلة جداً من الاحتياجات اليومية. إذ يحتاج القطاع إلى أكثر من 600 شاحنة يومياً وفق ما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن ما يدخل فعلياً لا يتجاوز متوسط (170) شاحنة يومياً. كما تواصل منع وعرقلة إدخال المساعدات الإنسانية من خلال أغلب المنظمات الإنسانية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، وهذا ما أعلنت عنه تلك المنظمات أكثر من مرة، وانعكس ذلك بشكل واضخ على وصول المساعدات للسكان، ما يفاقم الأزمة الإنسانية.
تجدر الإشارة إلى أن نحو 80% من الشاحنات التي يسمح لها بالدخول مخصصة للتجار، وليست للإغاثة، وتباع حمولتها في أغلب الأوقات بأسعار مرتفعة جداً، وهو ما يعجز المواطنون عن تحمله في ظل الفقر المدقع. وتمارس إسرائيل ابتزازاً علنياً بحق التجار يدفع ثمنه السكان في قطاع غزة، إذ تفرض رسوماً باهظة جداً على الشاحنات التجارية، وتتراوح ما بين 60 أف دولار أمريكي وحتى 800 ألف دولار حسب نوع البضائع، إذ تفرض الرسوم الأغلى ثمناً على ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات وغيرها.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن حوالي 80% من مباني القطاع دمرت أو تضررت، ويعيش غالبية سكان القطاع في منازل مدمّرة أو خيام مؤقتة، في ظل برد الشتاء القارس، ونقص حاد في المستلزمات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، حيث غمرت المياه آلاف الخيام في مناطق النزوح خلال الأسبوع الماضي، وتكبد المدنيون معاناة مضاعفة في محاولة حماية ما تبقى من أمتعتهم، وتأمين مأوى آمن لأطفالهم، وسط ظروف إنسانية تزداد قسوة يوماً بعد يوم. أفاد المواطن (م. ع):
لم ننام طوال الليل أنا وزوجتي وأطفالي عندما غمرت المياه خيمتنا التي شيدتها منذ فترة طويلة غرب دير البلح، كان الجوف ممطر وشديد البرودة، طوال الليل غمرت المياه والطينة أقدامنا، كنا شبه واقفين طوال الليل، ليس نحن فقط حتى الأسر الأخرى في المخيم، جميعها لم تنام طوال الليل، شعرنا بالإعياء والتعب الشديد والبرد والخوف، كنت خائف على صحة أطفالي، وفي الصباح وبعد توقف المطر، كانت الخيمة مهترئة من المياه والمطر، رحت أبحث عن قطع من النايلون لأضعها على الخيمة خاصة على المناطق الممزقة ولكني لم أجد في السوق، وبعد عدة اتصالات بعدد من المعارف والأصدقاء، تمكنت من شراء خيمة بسعر 700 شيكل، وشيدتها مكان القديمة، في حين أغلب الذي في المخيم راحوا يصلحون خيميهم بقطع قماش وغيرها، وبعضها لم يمكن إصلاحه.
وحتى الآن، تواصل قوات الاحتلال عرقلة دخول الخيام ومواد التدفئة اللازمة للنازحين، كما تمنع إدخال المعدات الثقيلة المطلوبة لرفع الأنقاض، ما يعيق عمليات انتشال الجثث العالقة تحت الركام منذ شهور. وتمنع إدخال المواد والمعدات اللازمة لإصلاح آبار المياه وخطوطها، وشبكات الصرف الصحي، وإزالة آلاف الأطنان من النفايات المتراكمة حول المناطق السكنية ومخيمات النزوح المكتظة، ما يضع المدنيين أمام تهديد مباشر بانتشار الأوبئة والأمراض المعدية، ويشكل خطراً حقيقياً على حياتهم.
وما زالت إسرائيل تحشر السكان في مساحات جغرافية ضيقة لا سيما في أماكن النزوح، إذ يعيش مئات آلاف السكان في ظروف غير إنسانية، ويواجهون فيها ظروفاً قاسية نتيجة إجبارهم على إخلاء مساكنهم من خلال تدميرها ومنعهم من العودة إلى مناطقهم، وهم نازحون في مناطق تشهد اكتظاظاً شديداً ولا يتوفر فيها الحد الأدنى من المقومات الأساسية للحياة مثل مواصي خان يونس، ويترافق ذلك مع تدهور في مكونات البيئة وارتفاع معدلات التلوث وانتشار الأوبئة، ونقص المياه الصالحة للاستخدام ومياه الشرب والغذاء.
صرح المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني: سكان قطاع غزة يعانون من الأمراض والنزوح، ولا يدخل القطاع ما يكفي من الموارد، حيث أن المساعدات التي تدخل غزة غير كافية، ولا يمكن الحصول على الغذاء بسبب الغلاء، الشتاء قادم وهذا يضيف عناءً آخر على سكان القطاع بسبب الأمطار والبرد، ويجب فتح المعابر لتقديم المساعدات التي يحتاجها سكان القطاع.
وتسيطر إسرائيل الآن على معظم المناطق الزراعية في القطاع والتي تقع داخل الخط الأصفر الذي أقامته، وتمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم لاستصلاحها وزراعتها، وبحسب منظمة الفاو، فإن إسرائيل دمرت نحو 95% من أراضي قطاع غزة الزراعية، وأن الوضع حرج، خاصة في رفح والمحافظات الشمالية، حيث لا يمكن الوصول إلى جميع الأراضي الزراعية.
وتسبب هذا التدمير الشامل في انهيار القطاع الزراعي، ما انعكس مباشرة على الأمن الغذائي للسكان، وتفاقمت حالات سوء التغذية، خاصة بين الأطفال، الذين يعانون من نقص حاد في العناصر الأساسية للغذاء، في ظل غياب الدعم الإنساني الكافي. وتمنع في الوقت نفسه الصيادين من الدخول إلى بحر القطاع، لاصطياد الأسماك، وتطلق النار صوبهم وتعتقلهم، وتفيد المعلومات الميدانية أن قوات الاحتلال اعتقلت منذ وقف إطلاق النار في أكتوبر (8) صيادين، واقتادتهم إلى جهة مجهولة.
ولا زالت قوات الاحتلال تغلق معبر رفح أمام حركة المواطنين المسافرين، لا سيما أمام المرضى الذين يحتاجون للإجلاء الطبي العاجل، وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فهناك أكثر من (15,000) مريض، من بينهم (13000) مريض بالسرطان في قطاع غزة، من بينهم (4200) سيدة، و(750) طفلة، كما يسجل شهرياً 200 حالة جديدة، وهناك (5000) مريض سرطان لديهم تحويلة عاجلة للعلاج بالخارج إما للتشخيص أو للعلاج الكيميائي والاشعاعي إلا أنهم لم يتمكنوا حتى الآن من السفر لتلقي العلاج.
وتستمر إسرائيل في منع دخول النقد إلى قطاع غزة، مما تسبب في أزمة سيولة خانقة داخل القطاع، ويجبر المواطنون على دفع نسب مرتفعة جداً تصل إلى نحو 30% عند سحب الأموال من حساباتهم عبر التطبيقات البنكية أو الوسطاء المحليين. وقد أدى هذا الوضع إلى استمرار تآكل القدرة الشرائية للمواطنين وتفاقم الأوضاع المعيشية، في وقت تغلق فيه أبواب العمل والإنتاج أمامهم.
واستهدفت قوات الاحتلال بشكل مواز مكونات البيئة الطبيعية (الهوائية والمائية والترابية) بالقصف، والتدمير، والتجريف، والتلويث، إذ استخدمت كميات كبيرة من القنابل والصواريخ المتطورة وشديدة الانفجار، التي تستهدف شبكات المياه والصرف الصحي، وشبكات تجميع مياه الأمطار، ومكبات النفايات وأماكن تجميعها، والمعدات المخصصة لجمعها ونقلها والتخلص الآمن منها، ومحطات التخلص الآمن من النفايات الطبية والخطرة. وتسبب ذلك في تراكم كميات كبيرة من الكتل الخرسانية للمنازل السكنية والمنشآت المدمرة، وكميات كبيرة جداً من النفايات الصلبة.
ويعيش طلاب قطاع غزة، لا سيما طلاب الثانوية العامة أوضاعاً مأساوية، حيث فقد كثير منهم فرصهم في الالتحاق بالجامعات داخل القطاع أو خارجه بسبب استمرار إغلاق المعابر. بعضهم ضاع عليه عامان دراسيان متتاليان، وهم اليوم مهددون بخسارة عام إضافي بسبب إغلاق المعابر وبسبب الظروف الأمنية المتردية والأوضاع المعيشية الصعبة، ما يجعل مستقبلهم الأكاديمي والمِهني غامضاً. وتعد هذه السياسة جزءاً من مخطط ممنهج لتدمير البنية التعليمية وضرب أمل الجيل الجديد في حياة كريمة ومستقبل أفضل.
وفيما يخص جثامين الشهداء والمخفيين قسرياً، أجبرت قوات الاحتلال الإسرائيلي شركات النقل المحلية على تسليم جثامين 410 فلسطينياً، قبل اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر 2025، دون أي تنسيق مع جهات دولية أو مؤسسات محلية مختصة، وقد تسلمت وزارة الصحة في غزة هذه الجثامين على أربع مراحل منفصلة بين شهور فبراير، مايو، وأغسطس 2024، دون أن ترافقها أي بيانات أو وثائق تظهر هوية الضحايا أو ظروف وفاتهم.
وبعد الإعلان عن وقف إطلاق النار بتاريخ 9 أكتوبر 2025، سلمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على دفعات 330 جثماناً لوزارة الصحة الفلسطينية من خلال التنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، دون الالتزام بمعايير وقواعد القانون الدولي الإنساني، حيث وضعت جميع الجثامين داخل أكياس بلاستيكية سوداء مرقمة لا تحمل سوى أرقام متسلسلة، بينما احتوى بعضها على أكثر من جثمان واحد، ودون معلومات عن هوياتهم، فيما تظهر العديد من الجثث آثار تعذيب وإعدام ميداني في مشهد يعكس أقصى درجات الإهمال والاستخفاف بكرامة الموتى، إذ تعد هذه الممارسة امتداداً لسياسة إسرائيلية ممنهجة تقوم على طمس الأدلة وإخفاء هوية الضحايا، ما يصعب عملية التوثيق والمحاسبة، ويحرم العائلات من حقها في معرفة مصير أبنائها ودفنهم وتوديعهم بكرامة.
ويستمر أمر منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من زيارة المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية للعام الثالث على التوالي في إطار حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، والذي جدده وزير الحرب الإسرائيلي بتاريخ 29/10/2025، مما يضفي مزيداً من التعتيم على أوضاع المعتقلين، بالنظر لتغييب الدور الرقابي والإنساني الذي تضطلع به اللجنة الدولية، ويرفع المخاوف لأعلى درجاتها على حياة المعتقلين، خاصة بعد تسريب الصور والفيديوهات مؤخراً، والتي كشفت عن جحيم غير مسبوق يعيشه المعتقلون الفلسطينيون.
في حين صادقت لجنة الأمن في الكنيست بتاريخ 28/9/2025، على مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين. وأقر الكنيست بالقراءة الأولى مشروع القرار مساء الاثنين الموافق 10/11/2025، ما يعكس النية في تجريد المعتقلين الفلسطينيين من الصفة والكرامة الإنسانية، واستخدامها كوسيلة للانتقام، وأداة للقتل.
مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ يؤكد أن استمرار هذه الجرائم، بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، وما يرافقها من حصار وتجويع واستمرار التهجير قسري، يشكل امتداداً لحرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان قطاع غزة، وتتحمل مسئوليتها قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تدفع نحو المزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية، فإنه يحذر في الوقت نفسه من حدوث كارثة أعمق تهدد حياة أكثر من مليوني إنسان إذا لم يتدخل المجتمع الدولي بشكل فاعل لإنقاذ حياة الأبرياء.
وعليه وأمام هذه المعطيات، فإن مركز الميزان يطالب المجتمع الدولي، لا سيما الأمم المتحدة، والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف الرابعة، ومحكمة العدل والمحكمة الجنائية الدولية، بالتدخل الفاعل والضغط على قوات الاحتلال لوقف جميع أشكال الهجمات العسكرية على المدنيين وممتلكاتهم، وفتح جميع المعابر بشكل فوري ودون قيود، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والوقود والمعدات الطبية ومواد الإغاثة، وتسهيل وصولها إلى جميع المناطق دون استثناء، وتمكين الفرق الهندسية والبلديات من الوصول إلى مختلف المناطق لإعادة بناء شبكات المياه والصرف الصحي ورفع الأنقاض وإزالة النفايات، لمنع انتشار الأوبئة والكوارث البيئية.
كما يطالب المركز بالكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرياً، وإعادة جثامين الشهداء وفق معايير إنسانية تحفظ كرامتهم وتمكن الأهالي من دفنهم بشكل لائق، تمكين اللجنة الدولية للصليب الأحمر من استئناف زياراتها للمعتقلين، ووقف التعذيب وسوء المعاملة، ورفض قانون الإعدام كونه انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وتهديداً مباشراً لحق المعتقلين في الحياة.
ويجدد مركز الميزان دعوته للمجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، وإنهاء حالة الإفلات من العقاب، وإلزام سلطات الاحتلال باحترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وضمان حماية المدنيين في قطاع غزة ووقف معاناتهم المستمرة.