ذروة الإرهاب منذ عقدين من الزمن

10 نوفمبر 2025

https://www.mezan.org/assets/uploads/media-uploader

تستمر هجمات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين في مختلف مناطق الضفة الغربية وتتصاعد بشكل حاد وغير مسبوق بدعم أو تسامح من قوات الاحتلال، وإن كانت الهجمات تستهدف سكان مناطق ج الفلسطينيين فإنها طالت أيضا وبشكل واسع باقي مناطق الضفة.

منظمات حقوق الإنسان كانت قد دقت ناقوس الخطر بالتحذير من تصاعد هجمات المستوطنين بحق قاطفي الزيتون الفلسطينيين، غير أن التصاعد في هذه الهجمات من حيث الزيادة في العدد والاتساع الجغرافي وشدة العنف ليطال بيوت الفلسطينيين ومواشيهم وسلامتهم الجسدية بشكل أعنف وأكثر ضررا وصل حد تهديد الحياة؛ ففي قرية ابو فلاح  نفذ مستوطنون عند الساعة الثانية من فجر يوم السبت 8/11/2025 هجوماً على منزل في المنطقة الشمالية الشرقية للقرية، وأضرموا النار فيه ، ما تسبب بحالات اختناق للوالدين وأطفالهم الأربعة الذين نجوا باعجوبة حين تمكن الأهالي إلى جانب طواقم الدفاع المدني من السيطرة على النيران، التي أتت على جزءٍ من المنزل ومحيطه، وأتلفت ممتلكات فيه، ولاحقا  في ساعات الصباح اقتحم جنود الاحتلال المنزل وأطلقوا النار باتجاه المواطنين المتواجدين في محيطه.

وشهدت بلدتا بيتا وبورين جنوب في اليوم نفسه اعتداء متزامنا كبيرا شارك فيه نحو 30 مستوطنا، والذين طال اعتداؤهم اضافة الى المواطنين قاطفي الزيتون؛ الصحافيين والمتضامنين الأجانب "ومنهم اسرائيليون" وطواقم اسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني، حيث أعلن الهلال الأحمر نقل 14 مصابا لتلقي العلاج في المستشفيات.

وفي السياق ذاته، شن قطعان المستوطنين السبت هجمات منسقة على المزارعين الفلسطينيين في عدة مناطق بالضفة الغربية، وشملت الاعتداءات مناطق رابا جنوب جنين، عين الديوك قرب أريحا، وادي سعير شمال الخليل، ترمسعيا ودير جرير شمال وشرق رام الله، بيت دجن وعقربا قرب نابلس، موقع تل ماعين الأثري شرقي يطا، وتجمع الشلال البدوي شمال أريحا وتجمع العراعرة قرب القدس.

وكانت صحيفة هآرتس الإسرائيلية نشرت تقريرا يوم الأحد 26 تشرين الأول أوردت فيه إحصاءات حصلت عليها من الشرطة الإسرائيلية تفيد بأن الشرطة الإسرائيلية تلقت 427 شكوى ضد عنف المستوطنين خلال النصف الأول من عام 2025، مقارنة ب 680 شكوى خلال عام 2024 بأكمله، وفي حين حققت الشرطة في 308 شكاوى عام 2024 فانها لم تحقق سوى في 133 شكوى خلال عام 2025، وسجلت غالبية الإعتداءات ضد مجهولين رغم وقوعها بوجود جنود الاحتلال. وأدت تلك الجرائم إلى تهجير قرابة 60 تجمعا بدويا ورعويا تضم قرابة 3000 فلسطيني كانت تقطن في المنطقة الواقعة شرق طريق ألون المطل على غور الأردن، حيث تتمركز 11 بؤرة رعوية مدججة بالسلاح والعربات رباعية الدفع ووسائل المراقبة.

عن ذلك قال المحامي هيدي ريغف، وهو مدير حركة حرية الوصول للمعلومات أن "تلك المعلومات تؤكد تقاعس الشرطة الإسرائيلية في التعامل مع جرائم العنف القومي" وأضاف ريغف:" الزيادة في عدد الشكاوى مقابل التراجع في لوائح الإتهام تبرز أكثر من أي شيء آخر طريقة عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير وانعدام الإرادة في مكافحة الإرهاب اليهودي" وقال أيضا: " الى جانب الفشل المهني في معالجة القضايا الجنائية، يبدو أن هناك فشلا أخلاقيا متزايدا وخطيرا داخل الشرطة"

يرى مجلس منظمات حقوق الإنسان أن تسجيل اعتداءات المستوطنين ضد مجهول من قبل شرطة الاحتلال، وتصعيب اجراءات تقديم الشكاوى من قبل الضحايا الفلسطينيين الى تلك الشرطة،  يشكل سياسة افلات من العقاب، ويُشجّع على مزيد من الاعتداءات ويدفع الضحايا الفلسطينيين الى الامتناع عن تقديم الشكاوي لتلك الشرطة، وهو ما تعكسه احصاءات منظمات أخرى لتلك الاعتداءات التي تشير الى عدد اكبر بكثير مما تشير اليه احصاءات شرطة الاحتلال، فقد احصت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان  خلال شهر تشرين أول أكتوبر الفائت فقط 766 اعتداء من المستوطنين، تركزت في محافظات رام الله والبيرة بواقع 195 اعتداء، ونابلس بـ179 اعتداء، والخليل بـ126 اعتداء. أما مكتب منسق الأمم المتحدة للشؤون الانسانية في المناطق المحتلة “OCHA”  فأشار الى توثيقه لــ 264 اعتداء من المستوطنين خلال شهر أكتوبر 2025 أسفرت عن إصابات أو أضرار مادية، وهو استنادا الى المكتب أعلى رقم شهري منذ بدء توثيقه لتلك الاعتداءات قبل نحو عقدين من الزمن.

تشكّل الأنشطة الاستيطانية العنيفة خرقاً لالتزام القوة القائمة بالاحتلال بحماية السكان المدنيين وأراضيهم، بالإضافة إلى ذلك، فإن ما يتمّ من تخريب للممتلكات والبنى التحتية، والتهجير الجماعي للسكان، قد يشكّل خرقاً لقواعد حماية السكان المدنيين في النزاعات المسلحة، بما في ذلك المبادئ الواردة في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إذ يمكن أن تستوفي أركان جرائم الحرب أو جرائم ضد الإنسانية في حالاتها القصوى، خاصة وأن إرهاب المستوطنين بات يستخدم كوسيلة للهندسة العرقية في المناطق المصنفة ج والخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة مما يوجب على القوة القائمة باإحتلال توفير الحماية للمدنيين الواقعين تحت الاحتلال، وهو ما تخلت عنه تلك القوات، بل ان وزير حرب الاحتلال الحالي يسرائيل كاتس اتخذ قرارا منذ تسلم منصبه بعدم توقيف المستوطنين العنيفين المتورطين في الإرهاب ضد الفلسطينيين.

إن تدهور حالة الوصول إلى الأراضي، الخدمات، والموارد بسبب العنف والانتهاكات، يهدد بشدة حق الفلسطينيين في السكن، والعمل، والتنمية المستدامة، ويضعف صمودهم وارتباطهم بأرضهم.

إننا في مجلس منظمات حقوق الإنسان إذ نعلن عن الإدانة الصريحة والمتجددة لهكذا ممرارسات، نطالب ما يلي:

-      أولا: الوقف الفوري لجميع أشكال الإرهاب الاستيطاني، وحماية الفلسطينيين المدنيين في الضفة الغربية، لا سيما خلال المواسم الزراعية أو في المناطق التي تتعرض لتهديدات مستمرة.

-      ثانيا: نزع أسلحة الإرهاب التي تم توزيعها للمستوطنين ومساءلتهم على جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني، وإعلان تنظيماتهم منظمات إرهابية.

-      ثالثا: ضمان الوصول الكامل للطواقم الاعلامية وللمنظمات الحقوقية ولمنظمات الإغاثة الانسانية إلى المناطق المتضرّرة، لتوثيق الأثر، ولتقديم المساعدة العاجلة.

-      رابعا: على الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف الوفاء بالتزاماتها القانونية بإلزام دولة الاحتلال بالوفاء بالتزاماتها بحماية المدنيين الخاضعين للاحتلال، وخاصة الالتزام بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في تموز 2024 الذي أفاد "أن دولة إسرائيل ملزمة بإنهاء وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة في أسرع وقت ممكن". وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة  في ايلول 2024 الذي طالب اسرائيل بتنفيذ ذلك قبل ايلول 2025.

-      خامسا: دعم صمود المجتمعات الفلسطينية المتضرّرة من خلال برامج إغاثة، إعادة تأهيل، وتعويض عن الأضرار – بما في ذلك تدمير الأشجار، والممتلكات، وحرمان سبل العيش.

-      سادسا: تشكيل لجان حماية ونظام إنذار مبكر لتحفيز المواطنين على حماية أنفسهم.

انتهى.