وقف الإبادة مسؤولية قانونية وإنسانية والعالم مطالب بتنفيذ التزاماته بشكل عاجل

26 سبتمبر 2025

https://www.mezan.org/assets/uploads/media-uploader

يدين مركز الميزان لحقوق الإنسان بأشد العبارات استمرار هجمات قوات الاحتلال الإسرائيلي الحربية ضد السكان المدنيين في قطاع غزة في سياق ممارستها لحرب الإبادة الجماعية، واستهدافها المتعمد والموسع للمدنيين، وتدمير المنازل فوق رؤوس أصحابها، واستهداف تجمعات منتظري المساعدات الإنسانية، وسط استمرار إخلاء مدينة غزة بالقصف والتدمير، واستمرار استخدامها لسياسة التجويع والتعطيش كسلاح، ومنع وصول الجرحى والمرضى للعلاج، في ظل انهيار كامل للبنية التحتية، وانعدام الخدمات الأساسية، بهدف إيقاع أكبر الخسائر في صفوف السكان، وفرض واقع يفضي إلى تدميرهم كلياً أو جزئياً.

حيث صعدت قوات الاحتلال الإسرائيلي من عمليات القصف المركز لتجمعات المدنيين داخل الأحياء السكنية، وتسبب عمليات الاستهداف المباشر للمدنيين في منازلهم وفي مراكز الإيواء والخيام إلى وقوع مجازر مروعة وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، وقتلت عائلات بأكملها. حيث وصل مستشفى الشفاء والمعمداني والهلال الأحمر الميداني في مدينة غزة 136 شهيداً و585 مصاباً خلال 72 ساعة الماضية، وطال القصف الذي سقط فيه شهداء، منازل حلس والمغربي والحليمي. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية ارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 65,419 شهيدًا 167,160 إصابة منذ السابع منذ أكتوبر 2023.

وثقت منظمة أكليد المستقلة والمتخصصة في مراقبة الصراعات (ACLED)، أنه منذ استئناف القتال في منتصف مارس، أكثر من 12,000 حالة وفاة مبلغ عنها في غزة حتى أوائل سبتمبر، بما في ذلك أكثر من 9,500 قتلوا في غارات جوية إسرائيلية يعتقد أن العديد من هؤلاء من المدنيين، بما في ذلك المئات الذين قتلوا في ضربات استهدفت مناطق النزوح وأثناء توزيع المساعدات.

وتترافق الهجمات الحربية على قطاع غزة، مع أوامر إخلاء مستمرة تطلقها قوات الاحتلال في مناطق مختلفة من من مدينة غزة، وتأمر سكان المحافظة بالنزوح تجاه محافظتي الوسطى وخان يونس بشكل فوري، بالتوازي مع شن هجمات عسكرية مكثفة على أحياء المحافظة، من خلال القصف الجوي والمدفعي المكثف، وإرسال الروبوتات وتفجيرها في قلب الأحياء السكنية، وتستخدم الطائرات المسيرة (كواد كابتر) في ملاحقة المدنيين وإطلاق النار تجاههم.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فإنه وفي الفترة من 11 إلى 15 أيلول/سبتمبر، سجل المكتب ما لا يقل عن 108 حوادث شملت هجمات على مبان سكنية في شمال غزة أو تدميرها، بما في ذلك 21 حادثاً في مخيم الشاطئي، شمال غرب مدينة غزة، و12 حادثاً في تل الهوى، جنوب غرب مدينة غزة. كما استهدفت أيضاً خيام النازحين داخلياً ومكتب المدعي العام ومباني وزارة الداخلية، فضلاً عن 5 مدارس على الأقل، 4 منها كانت في مخيم الشاطئ، وجامعة واحدة.[1]

أفادت (م.ع) من سكان تل الهوى، نزحت من غزة بالأمس بسبب اشتداد القصف المستمر، واقتراب أصوات الدبابات من منطقة تل الهوى، وبسبب الخوف الشديد على أطفالي واقتراب الكواد كابتر وإطلاق النار بشكل عشوائي في منطقتنا، كانت لحظات كيوم القيامة، عندها نزحت مع أسرتي إلى كنيسة القديس بيرفريوس في غزة.

ودفعت هذه الهجمات بمئات الآلاف من سكان محافظة غزة ومحافظة شمال غزة للهرب والنزوح في ظروف غير إنسانية وسط حالة من الخوف والهلع، ويلجئون إلى مناطق يدعى أنها إنسانية، ويواجهون فيها ظروفاً قاسية نتيجة إجبارهم على إخلاء مساكنهم والنزوح إلى مناطق لا يتوفر فيها الحد الأدنى من المقومات الأساسية للحياة، ويترافق ذلك مع تدهور في مكونات البيئة وارتفاع معدلات التلوث وانتشار الأوبئة، ونقص المياه الصالحة للاستخدام ومياه الشرب والغذاء. وفي نفس الوقت يلاحقون في أماكن نزوحهم ويستهدفون داخل منازلهم وخيامهم. حيث قصفت قوات الاحتلال أمس منزل يعود لعائلة أبو دحروج يقع شمال منطقة الزوايدة في محافظة الوسطى، وكان المنزل يؤوي نازحين، ما تسبب في استشهاد 11 شخصاً من بينهم 4 أطفال وسيدة، وهي مناطق مصنفة آمنة، وتأمر قوات الاحتلال سكان مدينة غزة بالنزوح إليها.

أفادت زينة الددح، نزحت أنا وعائلتي إلى مدينة دير البلح جنوب قطاع غزة، فبعدما اشتدت عمليات القصف واستهداف الأبراج السكنية في محيط منطقتنا في تل الهوى في مدينة غزة، نزحنا إلى دير البلح، وكانت تكلفة النقل كبيرة جداً، وإيجار المنزل الذي وجدناه يقارب الألف دولار شهرياً، ونعيش الآن أوضاعاً صعبة في منطقة النزوح، فهي مكتظة بشكل كبير جداً، ولا تتوفر المياه، ونمشي مسافات كبيرة لجلب المياه، وأصوات القصف تسمع في كل وقت.

ومنذ تاريخ 2/3/2025، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي إغلاق معابر قطاع غزة، وتمنع إدخال الإمدادات الإنسانية عن الفلسطينيين، وتتعمد تدمير كافة مقومات الحياة الأساسية للبقاء على قيد الحياة في وقت يسجل فيه انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والمجاعة مستويات غير مسبوقة، وتبث مشاهد وفاة المواطنين ولا سيما الأطفال والمرضى جوعاً على الهواء مباشرة، نتيجة عدم قدرة الأسر الحصول على الغذاء وتلبية احتياجاتها الأساسية، وسط تواصل استهداف منتظري المساعدات الإنسانية بالقصف وإطلاق النار، حيث وصل مجموع الشهداء من منتظري المساعدات الإنسانية إلى 2531 شهيداً، و18531 مصاباً. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، وبسبب تدفق أعداد كبيرة من المصابين واستنزاف السعة السريرية، حصل نقص حاد في وحدات الدم، وأن مخزون أكياس الدم وأدوات نقل الدم ومعدات الفحص في مخازن المختبرات قد وصل إلى مستوى الصفر.

وتستمر إسرائيل في منع دخول الإمدادات الطبية إلى قطاع غزة بالتوازي مع منع إمدادات الغذاء والوقود، ما عمق من أزمة الجوع، وأثر على علاج حالات سوء التغذية، وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن أطفال قطاع غزة في أشد مراحل سوء التغذية وتصعب متابعتهم طبياً بسبب نقص الأدوية العلاجية وحليب الأطفال، كما تنعدم التغذية المناسبة والأدوية للأمهات الحوامل ينعكس بشكل خطير على المواليد خاصة الأطفال الخدج، حيث سجلت مستشفيات قطاع غزة (4) حالات وفاة جديدة بسبب المجاعة وسوء التغذية خلال الـ 72 ساعة الماضية، ليرتفع العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية إلى (440) حالة وفاة، من بينهم (147) طفلاً.

إدوارد بيغبيدر، المدير الإقليمي لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا " يواجه الهجوم العسكري المتصاعد في مدينة غزة عواقب مدمرة على أكثر من 450 ألف طفل، أصيبوا بالفعل بصدمة واستنفدت بسبب ما يقرب من عامين من الحرب المتواصلة. إنهم يتأرجحون على حافة البقاء على قيد الحياة مع انتشار كل من المجاعة والعنف المميت. كما تحذر اليونيسف من كارثة وشيكة مع توسع العملية العسكرية. ومع محدودية المأوى والخدمات أو عدم وجودها، يؤدي التصعيد المستمر بالفعل إلى خسائر غير متناسبة في صفوف المدنيين ويدفع إلى الانهيار شبه الكامل لشرايين الحياة المتبقية التي يحتاجها الأطفال للبقاء على قيد الحياة.[2]

ومنذ أغسطس/آب 2025، واجه 100% من سكان غزة انعدام الأمن الغذائي الحاد، حيث من المتوقع أن يواجه واحد من كل ثلاثة من سكان غزة ظروف المجاعة بحلول نهاية سبتمبر/أيلول 2025. [3] إن الخطر المتزايد باستمرار للمجاعة في غزة هو واقع متكرر ومتوسع، يرتبط ارتباطاً مباشرا بسياسات إسرائيل التي تقيد دخول المساعدات، إلى جانب الحصار المطول وتدمير النظم الزراعية والصحية ومع اغلاق معبر زيكيم شمال قطاع غزة قد يؤدي الى تفاقم المجاعة.

وفاقم منع إدخال الوقود على الحالة الإنسانية المنهارة أصلاً في غزة، وتسبب في توقف خدمات أغلب المستشفيات والبلديات، ومرافق لا غنى عنها وحياة السكان، كآبار المياه وخدمات الصرف الصحي، وجمع النفايات، ما ينذر بتفاقم الكارثة الصحية وانتشار الأمراض والأوبئة، لا سيما مع تكدس الناس في مخيمات النزوح ذات الكثافة السكانية العالية. وحول تأثير نقص الوقود على عمل المستشفيات، حذرت وزارة الصحة الفلسطينية بأن المستشفيات العاملة في قطاع غزة دخلت في مرحلة غاية في الخطورة، فالإجراءات الفنية والهندسية لجدولة فترات التشغيل أصبحت غير مجدية مع توقف امدادات الوقود، وقد تكون أيام قليلة تفصلنا عن توقف المستشفيات نتيجة نفاد الوقود وبالتالي فإن حياة المئات من المرضى والجرحى في خطر.[4]

ويتعرض المدنيون في قطاع غزة لحالة من التعطيش بالتوازي مع التجويع الممنهج، من خلال توقف ضخها إلى مناطق قطاع غزة، لا سيما مدينة غزة، واستهداف محطات التحلية وآبار المياه، ومنع إدخال الوقود لعمل محطات المياه، ويضطر السكان للمشي مسافات طويلة لتعبئة المياه، وفي أغلب الأحيان يحصلون على المياه المسحوبة من الآبار الارتوازية، وهي مياه غير صالحة للشرب ولا تتم معالجتها قبل استعمالها، ما فاقم من أزمة العطش، وزاد من حجم الكارثة الصحية والبيئية، ومعدلات انتشار الأمراض والأوبئة.

وأوضحت بلدية غزة أن كمية المياه المتوفرة تقل عن 25% من الاحتياج اليومي للمدينة، وأن الكمية المتوفرة حالياً من المياه تصل عبر خط "ميكروت" وتقدر بنحو 15 ألف كوب يومياً، وهي كمية غير مستقرة، بالإضافة إلى 10 آلاف كوب تنتج من آبار المياه المحلية الواقعة في وسط المدينة، وفي المناطق التي تتمكن طواقم البلدية من الوصول إليها.

نافي بيليه، رئيسة لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة - بما فيها القدس الشرقية – وإسرائيل، أنشئت من قبل مجلس حقوق الإنسان عام 2021 "إن مسؤولية هذه الجرائم الفظيعة تقع على عاتق السلطات الإسرائيلية على أعلى المستويات، التي دبرت حملة إبادة جماعية لما يقرب من عامين الآن بقصد محدد وهو تدمير الفلسطينيين كجماعة في غزة، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يبقى صامتا بشأن حملة الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة، فعندما تظهر علامات وأدلة واضحة على الإبادة الجماعية، فإن عدم اتخاذ أي إجراء لوقفها يُعد تواطؤا". وأضافت أن كل يوم من التقاعس يُزهق أرواحا ويقوض مصداقية المجتمع الدولي.[5]

مركز الميزان لحقوق الإنسان، إذ يدين بشدة استمرار وتصاعد عمليات القتل الجماعي التي تقوم بها إسرائيل من خلال القصف المكثف، ومنع دخول الدواء والغذاء والوقود، واستمرار استخدام التجويع والتعطيش كسلاح، والتهجير القسري للمدنيين، وتدمير الأحياء السكنية، فإنه يؤكد في الوقت ذاته على أنها ليست سوى استمراراً لنهج الاحتلال القائم على التطهير العرقي والإبادة الجماعية تحدث في ظل صمت وتواطؤ دولي مخز.

ويؤكد المركز أن الوقت ينفد، وأن التأخر في التدخل الدولي يعني القبول الضمني بالموت الجماعي لسكان قطاع غزة، وموافقة على استمرار الإبادة الجماعية، ما لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات عاجلة وفعلية لوقف إطلاق النار فوراً، وفك الحصار، وضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية بأقصى حد.

وعليه، يجدد المركز مطالبته للمجتمع الدولي بضرورة التدخل الفوري استناداً لالتزاماته القانونية بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، لإجبار دولة الاحتلال على وقف جريمة الإبادة الجماعية، وفرض وقف إطلاق النار، والإقلاع عن استخدام سياسة العقاب الجماعي والتهجير القسري والتجويع كسلاح، والعمل على حفظ أرواح المدنيين في قطاع غزة من خلال رفع الحصار وضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية بأقصى حد من خلال المعابر كافة، وتفعيل آليات المساءلة والمحاسبة، وضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب.