شهادات من غزة: امرأة فلسطينية اعتقلت من مدرسة عمرو ابن العاص بمدينة غزة، تروي تفاصيل اعتقالها الذي دام 46 يوما في مراكز الاعتقال الإسرائيلية

16 أبريل 2024

https://www.mezan.org/assets/uploads/media-uploader

غزة، 16 أبريل/نيسان 2024 _ ناريمان[1]، متزوجة وأم لأربعة أطفال. تعيش برفقة زوجها، الذي يعمل موظفا في السلطة الفلسطينية، وأطفالها في منطقة المخابرات غرب مدينة غزة. منذ بداية العدوان على قطاع غزة قُصفت العديد من الأهداف في محيط منزلهم أكثر من مرة، وكانت أصوات الانفجارات قوية وضخمة. ومن دافع خوفهم على حياة أسرتهم، قررت نريمان وزوجها المغادرة لمنطقة أكثر أمانا، علما بأنه لا يوجد مكان آمن في غزة. 

توجهوا في البداية إلى عيادة الرمال التابعة لوكالة الغوث (السويدي) بشارع النصر بالقرب من مدارس الأونروا، ومكثوا فيها مدة شهر كامل. عاشوا خلاله أوضاع معيشية غاية في الصعوبة، مع شح المساعدات الإنسانية. في منتصف شهر نوفمبر قرروا مغادرة المكان لوصول الدبابات إلى حي وشوارع النصر علما بأنها وصلت إلى مستشفى النصر للأطفال وقامت باقتحامه، ووصلت إلى شارع حميد القريب جدا من عيادة الرمال.

توجهوا بعد ذلك إلى منزل أقرابهم بمنطقة الجلاء واضطروا الى مغادرته بعد وصول الدبابات إلى منتصف شارع الجلاء وقصف الطابق الثالث من المنزل بقذيفة مدفعية في الساعة 6:00 صباحاً بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2023. غادروا متوجهين إلى مدرسة عمرو بن العاص بشارع الجلاء مشيا على الأقدام. بينما عاد أخوها وأبناء أشائقها الثلاثة إلى المنزل لإحضار بعض الفراش والأغطية، قامت طائرة بدون طيار بإطلاق صاروخ باتجاههم مما أدى لاستشهادهم على الفور. مكثت نريمان وعائلتها في مدرسة عمرو بن العاص حتى تاريخ 24 ديسمبر/كانون الأول، حيث حاصرت قوات الإحتلال في ذلك اليوم المدرسة واقتحامتها واعتقلت بعضاً من النازحين بداخلها.                               

 "مكثنا في مدرسة عمرو بن العاص لمدة عشرين يوما تقريبا من تاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول حتى تاريخ 24 ديسمبر. في ذلك اليوم سمعنا أصوات انفجارات قوية وسمعنا أصوات الدبابات تتجه إلينا وسمعنا صوت الرشاشات وهي تطلق على منازل محيطة بالمدرسة وصوت تكسير أبواب، فاختبأ جميع النازحون داخل الصفوف في المدرسة. وعند الساعة 10:00 صباحا اقتحم جيش الاحتلال المدرسة وطالب عبر مكبرات الصوت الجميع بالخروج إلى ساحة المدرسة، وقاموا بتقسيمنا لقسمين قسم للرجال وقسم للنساء. قاموا بتعرية جميع الرجال وتركهم فقط بالملابس الداخلية، من ثم تم تجميعهم بطوابير واخراجهم على دفعات كل دفعة عبارة عن 5 رجال، ويخرجوهم عاريين إلى ساحة مسجد التقوى المجاورة للمدرسة، وقد قاموا بإلحاقنا نحن النساء والأطفال إلى ساحة مسجد التقوى في طوابير، وعند وصولنا الى ساحة المسجد نادى علي جندي وقال لي "إنتي الي لابسة بني اقفي على جنب بجوار باب المسجد". كنا حوالي سبع سيدات وطلبوا هوياتنا وبعد التدقيق بهم، طلب الضابط من مجندة تفتيشي بجوار المسجد بمكان معزول عبر شوادر، فقامت المجندة بتفتيشي بشكل كامل وخلعت ملابسي بالكامل دون أي شيء، ومن ثم صحبتني إلى الضابط في ساحة مسجد التقوى.

 فسألني ماذا سمعت عن 7 أكتوبر، وإن كنت فرحت بذلك اليوم، وإن كنت تناولت الحلويات، وقال لي حماس قتلتنا ودخلت علينا، فقلت له نحن أناس عاديين وأنا مسالمة ولا أعمل مع حماس وليس لدي صلة بهم وليس لدي أقارب على صلة بهم. كانت كل أسألته تدور حول عناصر حماس وأماكن تواجدهم وأماكن الأسرى، وأنا فعليا لا أملك اجابات لأني لا أعرف شيئا عنهم. ولعدم اجابتي على أسألته أمر باعتقالي على الفور. فقامت مجندة بتعصيب عيناي وربط أيدي بمربط بلاستيكي إلى الأمام. ثم قاموا بوضعي داخل جيب عسكري برفقة ست معتقلات وقاموا بنقلنا إلى منطقة زيكيم. كنت أشاهد الطريق لأنني استطعت أن أزيل طرف العصبة على عيناي. كانت تمشي خلفنا دبابة عسكرية وعليها رشاش موجه علينا. أنزلونا بعدها بمنطقة زيكيم داخل منطقة لا أعرف شيئا عنها وأجلسونا على الحصى لمدة ساعتين. قامت مجندة بتعصيب عيناي بشكل محكم وربط يداي بمربط بلاستيكي خلف ظهري. ثم قاموا بنقلنا من المكان وأثناء الطريق كانوا يضربوننا على رؤوسنا وأيدينا وكانوا يشتموننا بألفاظ سيئة بأننا (عاهرات حماس). وصلنا بعد ذلك لمكان لا أعرف عنه شيئا وهو بجوار معتقل عانتوت بالقرب من جبال القدس. وأثناء نزولي من المركبة قامت مجندة بدفعي بقوة فأسقطتني على الأرض وأصبت بعيني اليسرى والجهة اليسرى من وجهي وأدخلوني إلى غرفة. قامت مجندة بتجريد ملابسي بالكامل وأعطتني ملابس أخرى لونها رمادي. عرضوني بعد ذلك على طبيب كان بالغرفة المجاورة وأخذ فحوصات للضغط والحرارة. تم بعد ذلك نقلنا إلى معتقل عانتوت وهو عبارة عن بركس مغلق من السقف والجدران وله ثلاث أبواب وتبلغ مساحته حوالي 300 متر وهو مفتوح على بعض. كان عددنا 9 أسيرات داخل البركس، ولقد كان لكل أسيرة فرشة رقيقة وبطانية خفيفة. وكانت وجبات الطعام عبارة عن ثلاث وجبات في اليوم متشابهات يجمعهم الجبنة والخبز وتختلف بينهم الكمية. بقيت في المعتقل ثمانية أيام ولم يتم استدعائي لأي جلسات تحقيق خلالها.

وكانوا يقومون كل صباح بإزعاجنا عن طريق طرق الأبواب بصوت عالي ويبدأ الجنود بالصراخ. كان يتم ايقاظنا يوميا من الساعة السادسة صباحا، وكان يطلب منا الوقوف في طابور كل صباح، للتأكد من وجودنا وعددنا داخل المعتقل. وخلال اليوم كله كنا مربوطي الأيدي إلى الأمام وكنا نتناول الطعام ونحن مربوطي الأيدي ونساعد بعضنا بالطعام. كنا أيضا نستخدم الحمام ونحن مقيدين، وكان هذا هو الروتين المكرر على مدار الثمانية أيام من وجودنا داخل المعتقل.

وفي صباح اليوم التاسع لنا بالمعتقل، حضر الضباط وقاموا بعدنا وتصويرنا وتعصيب أعيننا وتربيط أيدينا بمرابط بلاستيكية إلى خلف ظهورنا، وكانت المجندة تشتمنا وتتعامل معنا بعنف وتدفعنا أثناء عملية نقلنا. وتم نقلنا بواسطة باص وإنزالنا داخل مكان لا نعرفه. ومن ثم تم عرضنا على طبيب ليفحص لنا الضغط والحرارة، وطلبت أثناء ذلك احدى المجندات مني أن أقبل علم اسرائيل فرفضت ذلك فقامت بضربي على رأسي بيدها بقوة، ونقلونا بعد ذلك إلى سجن الدامون، وعند وصولنا السجن جاءت مجندة فقامت بفك العصبة من عيناي وفك يداي، وقامت مجندة أخرى بخلع ملابسي وتفتيشي بالكامل، وأرسلتني إلى غرفة التحقيق وكان يوجد بها ضابط تحقيق، وكانت عبارة عن غرفة مساحتها 12 متر مربع ويوجد بها طاولة وكرسي، ويوجد أمام المحقق جهاز لابتوب. سألني المحقق عن زوجي وأولادي وأهلي وعن عمل زوجي، فأبلغته بأنه موظف في السلطة الفلسطينية في جهاز حرس الرئيس، وسألني عن دراسة أولادي ومكان دراستهم وأبلغته بأننا لا علاقة لنا بحماس لا من قريب ولا من بعيد، وبعد ذلك أخرجوني من غرفة التحقيق وتم عرضي على طبيب السجن وتم فحص الضغط والحرارة والوزن، ليدخلونا بعد ذلك إلى سجن النساء.

كان في ذلك السجن مئة واثنتان أسيرة من غزة والضفة الغربية، وعند وصولنا قاموا بالترحيب بنا وأعطونا ملابس جديدة وفي هذه السجن تم فك تربيط أيدينا وتم فك تعصيب أعيننا، وقامت الأسيرات بمساعدتنا في الاستحمام والاغتسال وطمئنونا بأننا بخير، وحضروا لنا وجبة عشاء عبارة عن معكرونة وبيض. تم نقلي بعد ذلك إلى غرفة مساحتها 9 متر مربع، عبارة عن غرفة عزل برفقة خمس أسيرات لعدم وجود غرف أخرى وعدم وجود متسع داخل السجن. وكانت الغرفة سيئة جدا ولا يوجد بها تهوية، حيث يوجد بها شباك صغير مغطى بالحديد ويوجد بجانبها حمام.

وبعد بأسبوع كانت لي أول جلسة تحقيق في هذا السجن، وكانت الأولى والأخيرة، حيث تم استدعائي لغرفة التحقيق وكان بها ضابط تحقيق يرتدي ملابس عسكرية، سألني عن زوجي وأخوتي وعائلة زوجي وعن أوضاعهم وأعمالهم وطبيعة عملهم وعلاقاتهم الاجتماعية، ووجه لي تهمة أنني أشكل تهديداً على أمن اسرائيل فرفضت ذلك رفضاً تاما، وسألني عن أماكن الأنفاق وأماكن تخزين الصواريخ وأماكن تواجد عناصر حماس وأماكن القدرات العسكرية وأماكن تواجد أسرى الاحتلال، وعن أناس أقارب لي يعملون في حماس، فرفضت ذلك جملة وتفصيلاً كوني فلسطينية مدنية دون أي ارتباطات ولا أعلم شيئا عما يسألني عنه، ووقعت على أقوالي بعد ذلك ليخرجوني إلى السجن مرة أخرى، وكنا نمكث طيلة أيام السجن والاعتقال داخل غرفة العزل وكان يخصص لنا فورة لمدة نصف ساعة للاغتسال أو المشي والاستحمام، لنعود بعد انقضاء المدة لمعاناة السجن ومعاناة مرور الوقت، وكثيراً ما كانت تأتيني نوبات ضعف التنفس وأشعر وأنني بحاجة إلى أكسجين لعدم وجود تهوية، ولقد عالجوني أكثر من مرة لمشكلة قلة الأكسجين، وتناولت أدوية للاكتئاب لمدة معينة داخل السجن.

وفي تاريخ 8 فبراير/شباط 2024، وذلك بالصباح قام بتبليغنا نائب مدير السجن بأمر الافراج عنا في هذا اليوم، وقد استقبلنا الخبر بفرح شديد لسببين أول سبب أننا سنرتاح من هموم ومعاناة السجن وويلاته والسبب الأخر أننا سنعود لغزة وألتقي أسرتي بعد غياب وأطمئن على صحة أولادي وأطفالي وبقية أفراد عائلتي.

تم نقلنا بحدود الساعة الثامنة صباحا بباص مخصص لنقل الأسرى، مقسم إلى ثلاثة مفاصل، لكل مفصل مقعد يجلس به أسير لا يرى الآخر، وكان يتسع الباص لأكثر من مفصل وكنا به حوالي 6 أسيرات و6 أسرى، لا نرى بعضنا البعض. انتقل بالبداية إلى معتقل عانتوت بجانب القدس وكان هناك استراحة مخصصة للجنود وبقينا معهم مدة ساعتين، بعدها سار الباص ليصل إلى معبر كرم أبو سالم بحدود الساعة 11:30 صباحا، وكنا أثناء الطريق نسمع صوت ضرب وإهانة الأسرى الرجال الذين كانوا معنا، فطيلة الطريق كان يتم ضربهم بفوهات البنادق أو أدوات مشابهة. وصلنا بعدها إلى معبر كرم أو سالم ومشينا مسافة طويلة نوعا ما، حتى وصلنا إلى نقطة يتواجد فيها موظفي الأونروا الذين استقبلونا ونقلونا بالباص. وأتواجد حالياً في مدرسة الطائف برفح".

 

تاريخ أخذ الإفادة: 11 فبراير/شباط 2024



[1] ناريمان وجميع الأسماء المذكورة في هذه الشهادة هي أسماء مستعارة. الهويات الفعلية للضحايا معروفة لدى مركز الميزان ولكن لا يتم الكشف عنها من أجل حماية سرية هويتهم وضمان سلامتهم.