تقارير و دراسات
19 أغسطس 2024
رابط مختصر:
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، للشهر الحادي عشر على التوالي. وتتعمد استهداف الأعيان المدنية العامة والخاصة على نطاق واسع، وتستخدم أساليب واستراتيجيات وأسلحة وذخائر تنتهك قواعد وأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وتفرض حصاراً مشدداً وتحرم السكان المدنيين من الإمدادات الضرورية والحيوية من دواء، وغذاء، ومياه، وطاقة كهربائية، ووقود.
وتتعمد استهداف المدنيين والأعيان المدنية، ولاسيما تلك التي لا غنى عنها لحياة السكان، كالمستشفيات ومراكز الرعاية الصحية وخزانات وآبار وشبكات توصيل المياه. الأمر الذي ارتقى لمستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة إبادة جماعية مستمرة، وفاقم من تدهور الأوضاع الإنسانية والمعيشة ونشر المجاعة والأمراض بشكل غير مسبوق، بحيث يعد الجوع والمرض، بعد تدمير المستشفيات، أسباباً للموت تتكامل مع القتل المباشر بالقصف. ويشكل استهداف العاملين الإنسانيين جزء من جريمة التجويع، التي أصبحت سلوكاً يجد انعكاسه كل يوم في تصريحات المسئولين في دولة الاحتلال التي تطالب بتجويع وتعطيش ومنع إي امداد انساني عن سكان قطاع غزة. وكان آخرها تصريح وزير المالية سموترتش الداعي إلى منع وصول الغذاء إلى سكان القطاع، حيث قال "إنّ أحداً في العالم لن يسمح لنا بتجويع مليوني شخص، رغم أنّ هذا الأمر قد يكون مبرراً وأخلاقياً من أجل إطلاق سراح الرهائن".
إن تعمد قوات الاحتلال تدمير المقومات الأساسية والتي لا غنى عنها لحياة السكان، وخاصة الخدمات المتعلقة بالصحة العامة والمياه والصرف الصحي، والمستشفيات وقتل الكوادر الطبية، والذي ترافق مع تدمير القطاعات الاقتصادية الأساسية لاسيما قطاعي الزراعة والصناعة، التي انهارت قدرتها على توفير وتأمين المواد الغذائية للسكان، ضاعف من مستويات انعدام الأمن الغذائي، وتسبب في شيوع الجوع وانتشار الأوبئة والأمراض.
وشددت قوات الاحتلال من القيود والعراقيل التي تضعها أمام وصول المساعدات الإنسانية للمؤسسات الدولية أو المحلية، بهدف حرمان المدنيين من السلع والمواد التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، حيث تعرقل امدادات الإغاثة وجهود الاستجابات لانعدام الأمن الغذائي وتقِّيد حركة قوافل وتجهيزات الغوث، وتستهدف العاملين في المجال الإنساني أثناء قيامهم بمهمات إغاثية داخل مركباتهم، والتي جرى التنسيق لحركة معظمها مسبقاً مع قوات الاحتلال. كما وتستهدف مقراتهم المخصصة لتوزيع المساعدات الإنسانية والتي أغلبها معلنة لقوات الاحتلال، وتعتقلهم وتخضعهم للتحقيق وسوء المعاملة والتعذيب في مراكز التحقيق الإسرائيلية.
وتصب قوات الاحتلال جام غضبها على المنشآت والمرافق والآليات التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. يذكر أن الوكالة هي الجهة القادرة على تنفيذ العمليات الغوثية الكبرى وضمان استمرارها، وتشكل الوكالة منذ بداية العدوان حاضنة للعمل الغوثي الإنساني في قطاع غزة وتقدم المساندة والدعم لوكالات الأمم المتحدة الأخرى وغيرها من المؤسسات الدولية والمحلية، وبالفعل حولتها قوات الاحتلال لهدف، حيث دمرت 190 من منشأتها، وذكر فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا في تغريدة على منصة (X)، أن قوات الاحتلال قتلت ما لا يقل عن (289) عامل إغاثة في غزة بينهم (207) من موظفيها حتى تاريخ 19/08/2024، واعتقلت حوالي (40) من موظفيها وأخضعتهم للتحقيق والتعذيب وهذا ما تم رصده. ويأتي استهداف الوكالة في سياق منهجي ممتد تحاول من خلاله قوات الاحتلال إنهائها كمقدمة إنهاء قضية اللاجئين.
يستعرض التقرير أبرز الأحداث والجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق العاملين في المجال الإنساني أثناء تأمين وتوفير المؤن الغذائية وتوفير الإمدادات والشروط الصحية في قطاع غزة، وذلك في ضوء الأرقام والمعلومات التي تمكن مركز الميزان لحقوق الإنسان من رصدها، ويظهر التقرير أبرز اعتداءات المستوطنين على قوافل المساعدات الإنسانية، وتحويل المساعدات الإنسانية كمصيدة للمدنيين الفلسطينيين خاصة في محافظة غزة والشمال.
أعمال الغوث للسكان في القانون الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية:
شدد القانون الدولي الإنساني على أهمية حماية الأشخاص المدنيين وإغاثتهم خلال النزاعات المسلحة، وأكد على ضرورة حماية وتوفير الأنشطة الإنسانية، سواء أكانت هذه الأنشطة عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو أي هيئة إنسانية حيادية، حيث حددت المادة (10) من اتفاقية جنيف الرابعة ما يلي: “لا تكون أحكام هذه الاتفاقية عقبة في سبيل الأنشطة الإنسانية التي يمكن أن تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو أية هيئة إنسانية أخرى غير متحيزة بقصد حماية الأشخاص المدنيين وإغاثتهم، شريطة موافقة أطراف النزاع المعنية". كما جاء في المادة (62) من الاتفاقية نفسها: "يسمح للأشخاص المحميين الموجودين في الأراضي المحتلة بتلقي طرود الإغاثة الفردية المرسلة إليهم مع مراعاة اعتبارات الأمن القهرية".
وفرض القانون الدولي على دولة الاحتلال ضرورة توفير المؤن الغذائية والإمدادات الطبية حيث جاء في المادة (55): " من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، ومن واجبها على الأخص أن تستورد ما يلزم من الأغذية والمهمات الطبية وغيرها إذا كانت موارد الأرضي المحتلة غير كافية. ... ". وأشارت المادة (56) إلى أهمية تعاون سلطات الاحتلال مع السلطات المحلية من أجل توفير الشروط الإنسانية حيث نصت على ما يلي: من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، وبمعاونة السلطات الوطنية والمحتلة، على صيانة المنشآت والخدمات الطبية والمستشفيات وكذلك الصحة العامة والشروط الصحية في الأراضي المحتلة، وذلك بوجه خاص عن طريق اعتماد وتطبيق التدابير الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة. ويسمح لجميع أفراد الخدمات الطبية بكل فئاتهم بأداء مهامهم". كما جاء في المادة (39): ... للأشخاص المحميين في جميع الحالات أن يتلقوا الإعانات من بلدان منشئهم، أو من الدول الحامية، أو جمعيات الإغاثة المشار إليها في المادة (30).
وبموجب اتفاقية جنيف الرابعة يترتب على أطراف النزاع أهمية منح الهيئات الإغاثية جميع التسهيلات من أجل مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية دون إبطاء، وأعطى أطراف النزاع إمكانية وضع الشروط الفنية للسماح لها بالمرور، حيث جاء في المادة (23): " على كل طرف من الأطراف السامية المتعاقدة أن يكفل حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية ومستلزمات العبادة المرسلة حصراً السكان طرف متعاقد آخر للمدنيين، حتى لو كان خصماً، وعليه كذلك الترخيص بحرية مرور أي رسالات من الأغذية الضرورية، والملابس، والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والنساء الحوامل أو النفاس. ... يجب أن ترسل هذه الرسالات بأسرع ما يمكن، ويكون للدولة التي ترخص بحرية مرورها حق وضع الشروط الفنية التي يسمح بالمرور بمقتضاها".
وأوضح القانون الدولي أن الهيئات الإنسانية التي يناط بها الاضطلاع بالمهام الإنسانية وتقوم بالأعمال التي لها مصلحة للأشخاص المحميين ينبغي أن تكفل لها حرية المرور طبقاً لمواعيد وخطط سير محددة، وورد في المادة (59) ما يلي: "إذا كان كل سكان الأراضي المحتلة أو قسم منهم تنقصهم المؤن الكافية، وجب على دولة الاحتلال أن تسمح بعمليات الإغاثة لمصلحة هؤلاء السكان وتوفر لها التسهيلات بقدر ما تسمح به وسائلها، وتتكون هذه العمليات التي يمكن أن تقوم بها دول أو هيئة إنسانية غير متحيزة كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، على الأخص من رسالات الأغذية والإمدادات الطبية والملابس، وعلى جميع الدول المتعاقدة أن ترخّص بمرور هذه الرسالات بحريّة وأن تكفل لها الحماية، ... ".
وأتاح القانون الدولي إمكانية أن يشارك الأفراد في أعمال الغوث كجزء من المساعدة المبذولة في أي أعمال الغوث وخاصة في نقل وتوزيع ارساليات الغوث، حيث ينبغي احترام وتوفير الحماية لهؤلاء المتطوعين، وورد في المادة (71) من البرتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف الرابعة بأنه: "يجوز عند الضرورة أن يشكل العاملون على الغوث جزءاً من المساعدة المبذولة في أي أعمال الغوث وخاصة لنقل وتوزيع ارساليات الغوث..."قرارات محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن بخصوص المساعدات الإنسانية"
في الوقت الذي بات فيه سكان قطاع غزة بحاجة ماسة إلى التدخلات الدولية على كافة الأصعدة ولاسيما الغوثية، وضعت قوات الاحتلال الخدمات الأساسية في دائرة الاستهداف، الأمر الذي دفع محكمة العدل الدولية إلى إصدار قراراً يطالب بضرورة توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها، دون عوائق، وعلى نطاق واسع- بما في ذلك الغذاء والماء والكهرباء والوقود والمأوى والمساعدات الإنسانية ومتطلبات الملابس والنظافة والصرف الصحي، فضلاً عن الإمدادات الطبية والرعاية الطبية في جميع أنحاء غزة، بما في ذلك عن طريق زيادة قدرة وعدد نقاط العبور البرية وإبقائها مفتوحة لأطول فترة ممكنة.
وفي وقت لاحق أصدرت محكمة العدل الدولية قراراً يطالب إسرائيل بالوقف الفوري لهجومها العسكري على رفح كما طالبت المحكمة بضرورة إبقاء معبر رفح مفتوحاً أمام توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية المطلوبة بشكل عاجل على نطاق واسع، وأكدت المحكمة في قرارها مجددا على التدابير المؤقتة المشار إليها في الأمرين الصادرين في 26 كانون الأول/ يناير 2024، و28 آذار/ مارس 2024. وطالبت بتنفيذ هذا القرار على الفور بشكل فعال.
وعلى ضوء تكرار الهجمات على العاملين الانسانيين أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم (2730) الذي يحث على احترام وحماية العاملين في المجال الإنساني وموظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها، بما في ذلك الموظفون المحليون، حيث أدان بشدة كافة الهجمات وجميع أشكال العنف، بما في ذلك العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس، والتهديدات، والترهيب ضد العاملين في المجال الإنساني ومبانيهم وأصولهم.
وأمام صراحة ومباشرة ما سبق من قواعد قانونية مستقرة وقرارات محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن، والتي تُلزم دولة الاحتلال باتخاذ التدابير كافة التي تؤمن أعمال الغوث، فإن عرقلة ذلك وأياً كانت الوسائل والتبريرات؛ يُشكل انتهاكاً خطيراً لأحكام القانون الدولي، يستوجب تحركاً وملاحقة فورية من قبل الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة وفي الاتفاقية الدولية لمنع جريمة الإبادة الجماعية وغيرها من الهيئات القائمة على إنفاذ أحكام القانون الدولي.
تقويض الوصول الإنساني واستهداف المدنيين:
تسببت الإبادة الجماعية المتواصلة والهجمات العنيفة في تقويض العمليات الإنسانية وعرقلة وإرباك شديد في سير وتنظيم عمليات الإغاثة حيث تضاعفت التهديدات الأمنية في ظل ارتفاع أعداد القتلى بين المدنيين الذين ارتفع عددهم إلى (39.677) شهيد وصلوا المستشفيات، و(10.000) مفقود، وبلغ عدد الأطفال من بينهم (16,251) طفل، فيما بلغ عدد النساء (10,859)، وبلغ عدد أفراد الطواقم الطبية (500)، فيما قتل (79) من أفراد طواقم الدفاع المدني. وأصيب جراء حرب الإبادة حوالي (91.645) فلسطينياً، (70%) منهم من الأطفال والنساء، من بينهم (25.000) جريح بحاجة للسفر للعلاج بالخارج. واستهدفت قوات الاحتلال خلال عدوانها (172) مركزاً لإيواء النازحين. ودمرت حوالي (198) مقراً حكومياً، و (120) مدرسة ومعهد وجامعة بشكل كلي و(332) بشكل جزئي. فيما دمرت حوالي (150,000) منزلاً ووحدة سكنية بشكل كلي و(200,000) بشكل جزئي[1].
وتشير البيانات المتوفرة من معلومات من المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، بتاريخ 25/7/2024. أن قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت الإرساليات الإنسانية (86) مرة خلال حرب الإبادة الجماعية، نجم عنها (37) مجزرة بحق المدنيين والعاملين وموظفي مؤسسات الإغاثة الإنسانية الدولية والمحلية، وتسبب ذلك في مقتل (696) مدنياً، وإصابة أكثر من (3500) آخرين بجراح متفاوتة.
استهداف العاملين في المؤسسات الإنسانية الدولية
استهدفت قوات الاحتلال العاملين الإنسانيين في المؤسسات الدولية والإقليمية والمحلية بشكل متعمد وواضح أثناء تقديمهم للخدمات المهمة والضرورية في مجال توفير الطعام والشراب والرعاية الصحية الأولية، أو خلال ممارسة عملهم وأنشطتهم في نقل وإدارة وتنسيق وتوزيع المساعدات الإغاثية. وتعرض العاملون الإنسانيون للقصف وإطلاق النار بالرغم من وضعهم الشارات والأعلام والشعارات التي تدلل على مهامهم، وأثناء ارتدائهم الزي الذي يبين هويتهم ويوضح طبيعة أعمالهم الغوثية، وإبلاغ سلطات الاحتلال بخط سيرهم وأماكن عملهم إلا أنهم تعرضوا للهجوم وقتل العشرات من العاملين في المجال الإنساني.
يستعرض التقرير حادثة استهداف أعضاء فريق المطبخ العالمي (WCK)، واستهداف العاملين في (الأونروا) على النحو الآتي:
1. عند حوالي الساعة 10:20 مساء يوم الاثنين الموافق- 01/04/2024، استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي قافلة من المركبات كان يستقلها أعضاء من فريق المطبخ المركزي العالمي "الأمريكي" (WCK)، جنوب مدينة دير البلح، حيث تعرضت السيارة الأولى للقصف وتمكن ركابها من الفرار والصعود في سيارة أخرى من نفس النوع تابعة للفريق فلاحقتهم الطائرات على بعد 700 متر جنوباً وقصفتهم مرة أخرى لتقتل عدد من ركابها، ثم لاحقت مركبة ثالثة وقصفتها وقتلت من بداخلها، حيث تسبب الهجوم في مقتل : جيمس كيربي (47) عاماً، جيمس هندرسون (33) عاماً، جون تشبمان (57) عاماً، جاكوب فليكنجر (33) عاماً، داميان سوبول (35) عاماً، لالزاومي "زومي" فرانكوم (43) عاماً، سيف الدين عصام أبو طه (25) عاماً. يشار إلى أن القتلى من بلدان مختلفة ويحملون الجنسيات البريطانية، والكندية والأسترالية، والبولندية، والفلسطينية، الجدير بالذكر أن القصف جاء بعد التنسيق المسبق مع قوات الاحتلال الإسرائيلي وتحديد حركة الفريق وخط سيره حيث كان الفريق قد غادر المستودع المخصص لتخزين المواد التموينية في دير البلح بعد تخزين ما يقارب من (100) طن من المواد الغذائية وصلت لقطاع غزة عبر اللسان البحري الأمريكي.
2. هاجمت قوات الاحتلال الإسرائيلي وبشكل متكرر العاملين في وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) حتى أصبح العاملين في هذه الوكالة هدفاً منذ بداية الحرب، وطال الاستهداف العاملين في داخل المقرات والمركبات التابعة للوكالة الأممية بالرغم من التزامهم بالتعليمات وحرصهم على وضع علم الأمم المتحدة الذي يميزهم عن غيرهم، وأشارت (الأونروا) أنه بتاريخ 21/07/2024، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي نيران أسلحتها تجاه قافلة تابعة للأمم المتحدة أثناء انتظارها عند نقطة تفتيش تابعة للقوات الإسرائيلية بينما كانت متجهة من جنوب قطاع غزة إلى شماله، علماً بأن القافلة تحمل علامات تدل على أنها تابعة للأمم المتحدة وكان العاملين يرتدون سترات الأمم المتحدة، وأعلنت (الأونروا) في تغريدة على منصة (X) أن جميع تحركات الأمم المتحدة تتم بالتنسيق مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي وبموافقتها، حيث أسفر الحادث عن إصابة إحدى المركبات بخمس رصاصات على الأقل ولم يبلغ عن وقوع إصابات في ركاب السيارات المصفحة.
وفي هذا السياق ارتفع عدد ضحايا الهجمات الإسرائيلية من العاملين في (الأونروا)، إذ أعلنت وكالة الغوث الدولية عن مقتل (202) من طواقمها منذ بدء الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وأشار المفوض العام في رسالة أن هؤلاء العاملين من مجالات مختلفة منهم - المعلمين والمعلمات، والأطباء والطبيبات، والممرضين والممرضات والعاملين في مجال الخدمات الاجتماعية ومجال الإغاثة والموظفين والموظفات العاملين في مجال الخدمات اللوجستية وفي مجالات التكنولوجيا والإعلام والتواصل، حيث إن معظم هؤلاء العاملين قتلوا مع عائلاتهم في منازلهم أو في أماكن اعتقدوا أنها آمنة، وقتل العديد منهم أثناء تأدية واجبهم بينما كانوا يقدمون المساعدات الإنسانية للمجتمعات المحتاجة. وأكدت الأمم المتحدة أن هذا العدد من القتلى هو الأعلى من بين العاملين الذين قتلوا في نزاع واحد منذ إنشاء الأمم المتحدة عام 1945م.
3. اعتقلت قوات الاحتلال (40) على الأقل من العاملين في وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، حيث أخضعوا للتحقيق وتعرضوا إلى سوء المعاملة والتعذيب، وتشير المعلومات المتوفرة أن سلطات الاحتلال أخضعت هؤلاء المعتقلين للتحقيق في أنشطة ومهام (الأونروا)[2].
استهداف نقاط ومراكز توزيع المساعدات الإنسانية
تعرضت مقرات ومراكز ومخازن توزيع المساعدات الإنسانية للاستهداف، سواء تلك التابعة للمؤسسات الدولية أو المحلية والتي كانت مخصصة لتقديم الغوث للنازحين، كما استهدفت المخابز ومحطات وسيارات توزيع مياه الشرب، وتشير أعمال التوثيق أن سلطات الاحتلال استهدفت (13) مقراً تابع للمؤسسات الدولية والمحلية المخصصة لتقديم المساعدات الإنسانية، ما تسبب في قتل (22) مواطن واصابة (10) آخرين، كما تعرضت النقاط الطبية الدائمة والمؤقتة والثابتة والمتحركة للاستهداف.
نستعرض حادثة أسفرت عن سقوط ضحايا جراء استهداف هذه المقرات والنقاط المخصصة للجهود الإنسانية.
1. قصفت طائرة مسيرة إسرائيلية، عند حوالي الساعة 11:50 من صباح يوم الأربعاء الموافق 13/03/2024 مقر توزيع المساعدات الإنسانية التابع للأونروا (Warehouse) في الحي الإداري في مدينة رفح أثناء توزيع الدقيق على المواطنين. أسفر القصف عن استشهاد (8) مواطنين بينهم طفل، كما أسفر الهجوم عن استشهاد أحد موظفي الأونروا وأحد ضباط الشرطة الذين يعملون على حماية عمليات توزيع المساعدات، كما أصيب عدد آخر من المواطنين بجروح مختلفة بينهم (10) من موظفي (الأونروا).
2. قصفت قوات الاحتلال مقرين لمؤسسة العون الطبي للفلسطينيين (MAP) بتاريخ 18/01/2024 ومؤسسة أطباء بلا حدود (MSF) بتاريخ 20/01/2024 في منطقة المواصي غرب محافظة خان يونس وبالرغم من تحديد موقع إقامة العاملين في المؤسستين وإبلاغه لقوات الاحتلال الإسرائيلي.
استخدام المساعدات الإنسانية كمصيدة للمدنيين
أدت السيطرة العسكرية الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، منذ أكثر من عشرة أشهر، إلى منع أو تقييد حرية مرور المساعدات والمواد الغذائية من جنوب قطاع غزة إلى شماله وخلقت أزمة حقيقة وخطيرة، وفي ظل هذه الظروف المأساوية اضطر الآلاف من المواطنين إلى انتظار دخول المساعدات على مشارف مدينة غزة، خاصة عند مفترق النابلسي على شارع الرشيد، ودوار الكويت على طريق صلاح الدين وذلك في ظل المجاعة التي انتشرت في غزة وشمالها، فقامت قوات الاحتلال بنصب الكمائن لهم وأطلقت النار تجاههم واستهدفت تلك القوات منتظري المساعدات (18) مرة أسفرت عن استشهاد (249)، واصابة (1229) بجروح، وبذلك حرمت مئات الألاف من الحصول على الغذاء والشراب الذي يبقيهم على قيد الحياة، وانتشرت المجاعة على نطاق واسع خاصة في بين الأطفال والحوامل والمرضى المزمنين، وأعلنت الجهات الصحية بغزة أن سوء التغذية والجفاف أدى إلى ارتفاع الوفيات لحوالي (35) شخص.
كما استهدفت قوات الاحتلال قوافل المساعدات (20) مرة على الرغم من التنسيق المسبق لها.
نستعرض أبرز حادثة جرى فيها استهداف المدنيين أثناء انتظارهم المساعدات الإنسانية على النحو الآتي:
1- عند حوالي الساعة 4:30 فجر يوم الخميس الموافق 29/02/2024، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي عبر دباباتها وقانصاتها المتمركزة جنوب غرب مدينة غزة النار بكثافة تجاه الآلاف من المواطنين الذين كانوا يتجمعون قرب دوار النابلسي على شارع الرشيد جنوب غرب مدينة غزة، بينما كانوا ينتظرون وصول شاحنات تحمل المساعدات الإنسانية من الدقيق والمعلبات الغذائية، وعند وصول الشاحنات التي تحمل المساعدات وصل العشرات من المدنيين إليها وشرعوا في محاولة تسلقها للحصول على الدقيق أو طرود المعلبات، وشرعت قوات الاحتلال في إطلاق النار بكثافة لمدة استمرت حوالي ساعة ونصف، ما تسبب في قتل (118) من المدنيين وإصابة (760) آخرين بجروح- وفق إحصائية وزار الصحة- وقد سقط الضحايا من على الشاحنات أو خلال حملهم أكياس الدقيق والطرود الغذائية التي جازفوا بأرواحهم للحصول عليه لإطعام أفراد أسرهم الذي يعانون من حالة تجويع غير مسبوقة، (بيان مركز الميزان لحقوق الإنسان).
عرقلة وصول إرساليات الغوث الإنساني
لم تكتف قوات الاحتلال بعرقلة الجهود الإنسانية والغوثية في قطاع غزة، واستهداف العاملين وقوافل الإمدادات، بل سمحت لمجموعات من غلاة المستوطنين باعتراض قوافل الإمدادات الإنسانية بينما كانت في طريقها إلى قطاع غزة ومنعت وصولها إلى السكان المدنيين. وفي هذا السياق تكرر هجوم المستوطنين لعرقلة ومنع وصول المساعدات إلى سكان قطاع غزة بعد أن اعترضت حركة القوافل وأغلقت الطرق المؤدية إلى معبر كرم أبو سالم، ومنعت مرور الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية خاصة على الطرق المؤدية لمعبر (نيتسانا) بين مصر وإسرائيل، وعلى حاجز ترقوميا ومحيط مستوطنة (كريات أربع) الواقعة بالقرب جنوب مدينة الخليل، وتكرر قيام المستوطنين باعتراض الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية القادمة من محافظات الضفة الغربية ومن المملكة الهاشمية الأردنية وفي أكثر من حادثة قاموا بتفريغ محتويات الشاحنات وإلقائها على الطريق وإتلافها، والجدير بالذكر أن مركز الميزان رصد (7) حوادث قام فيها المستوطنون بالهجوم على قوافل المساعدات وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية.
ينبغي الإشارة إلى أن تحليلاً أجراه فريق متعدد الوكالات لتحديد الوضع الغذائي في قطاع غزة، أظهر أن الفترة الممتدة من (16 يونيو- 30 سبتمبر) من المتوقع أن يعاني حوالي (2.15) مليون شخص في قطاع غزة أي حوالي (96%) من مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، منهم حوالي (495,000) شخص أي حوالي (22%) يواجهون انعدام الأمن الغذائي بمستويات كارثية، ومن العوامل لهذه المؤشرات استمرار الوصول الإنساني المحدود نتيجة التصعيد والهجوم على رفح الذي أدى إلى تقييد المساعدات الإنسانية الحيوية[3].
تشير المعلومات التي أوردها التقرير أن قوات الاحتلال الإسرائيلي، وفي سياق حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على سكان قطاع غزة، تتعمد تقويض كافة الجهود الإنسانية وأعمال الإغاثة، التي تنفذها المؤسسات بشكل حيادي وبدون تمييز لغوث المدنيين، وتستهدف العاملين الإنسانيين في الخطوط الأمامية، الذين يقدمون خدمات مهمة وضرورية في مجال توفير الطعام والشراب والرعاية الصحية الأولية، وتتعمد عرقلة توزيع إرساليات وتجهيزات الغوث لأولئك الأشخاص من الأطفال والنساء والمرضى والحوامل، الأمر الذي يحول دون الاستجابة للمجاعة وانعدام الأمن الغذائي ويعمق الأزمة الإنسانية ويحرم السكان من الحد الأدنى من المقومات الأساسية.
وعلى ضوء العراقيل والاستهداف الإسرائيلي المتكرر للأعمال والأنشطة والجهود الغوثية، أكد الفريق القطري الإنساني بأن المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني لم يتمكنوا من الوصول بأمان إلى شمال غزة ومناطق في جنوب غزة على نحو متزايد حيث تعرضت قوافل المساعدات لإطلاق النار وتم منعها بشكل منهجي من الوصول إلى الأشخاص المحتاجين.
إن تكرار وتنامي ظاهرة استهداف العاملين الإنسانيين والمقرات المخصصة للأعمال والأنشطة الغوثية، والترهيب ضد العاملين في المجال الإنساني ومبانيهم وأصولهم، جعل قطاع غزة المكان الأكثر خطورة على مدار تاريخ النزاعات في العالم، الذي تتكبد فيه الجهود الإنسانية هذه الخسارة البشرية الكبيرة، لتشكل انتهاكاً خطيراً لقواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني، ولقرارات محكمة العدل الدولية، وقرار مجلس الأمن.
وعلى ضوء الحقائق التي استعرضها التقرير، فإن مركز الميزان لحقوق الإنسان، يطالب:
1. بوقف الإبادة الجماعية، والتوصل إلى وقف إطلاق نار في قطاع غزة وانسحاب قوات الاحتلال وإنهاء الحصار الإسرائيلي، والسماح بتدفق الشاحنات ومرور رسالات الدواء والغذاء من خلال المعابر دون أي عوائق وبكميات كافية، والسماح بمرور الشاحنات من جنوب القطاع إلى الشمال بحرية وبأعداد كافية.
2. المجتمع الدولي بممارسة الضغط على سلطات الاحتلال من أجل السماح بحرية حركة الإرساليات الإنسانية وعدم استهدافها، أو عرقلتها، أو استهداف العاملين، أو المقرات، أو المركبات المخصصة للأغراض الإنسانية.
3. بتوفير الحماية المكفولة للعاملين في المجال الإنساني، وإلزام قوات الاحتلال باحترامهم واحترام أنشطتهم الرامية إلى غوث المدنيين في ظل الحرب، وتسهيل كافة الجهود الرامية للتخفيف من وطأة الحرب على المدنيين، ووقف هجمات المستوطنين على الإرساليات الإنسانية.
4. الضغط على سلطات الاحتلال من أجل وقف الحملات المضللة والتحريض التي تتعرض لها المؤسسات الإنسانية بما فيها وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين كي تتمكن من مزاولة أنشطتها الاغاثية دون قيود.
5. ضرورة فتح التحقيق في جميع جرائم استهداف الإرساليات الإنسانية، وإرسال لجان تقصي حقائق دولية مستقلة، للوقوف على حجم الجرائم المرتكبة بحق العاملين الإنسانيين، وتفعيل مبدأ المحاسبة لكل من أمر أو نفذ أو تغاضى عن هذه الجرائم.
انتهى
[1] تحديث وزارة الصحة الفلسطينية لليوم (317) بتاريخ 18 أغسطس 2024. انظر أيضاً: تقرير الإعلام الحكومي لأهم احصائيات اليوم (315) بتاريخ 16 أغسطس.
[2] Thematic Report. Detention in the context of the escalation of hostilities in Gaza (October 2023-June 2024). United Nations Human rights Office of the High commissioner. Occupied Palestinian Territory.
[3] Integrated Food Security Phase Classification (IPC). Famine Review committee Gaza Strip, June 2024.
مؤسسات حقوق الإنسان تستنكر الهجوم الإسرائيلي المتكرر على المنطقة الإنسانية في المواصي وتؤكد أنه إمعان في جريمة الإبادة الجماعية
الميزان يصدر تقريراً متخصصاً حول إبادة قوات الاحتلال الإسرائيلي مكونات البيئة خلال حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة
إبادة البيئة
الاحتلال يواصل قصف المنازل على رؤوس ساكنيها ويمعن بارتكاب الإبادة الجماعية في قطاع غزة
سلطات الاحتلال تنفذ حملة اعتداء بالضرب وإطلاق الكلاب على معتقلين فلسطينيين في سجن عوفر، الميزان يحمل دولة الاحتلال المسؤولية عن حياة وسلامة المعتقلين ويدعو لإعمال المسائلة والمحاسبة