بيانات صحفية
18 فبراير 2024
رابط مختصر:
18 فبراير/ شباط 2024
تتابع مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية بقلق بالغ ما آلت إليه أوضاع النازحين/ات المأساوية في رفح، في ظل ما يرد من تقارير حول خطط قوات الاحتلال الإسرائيلية بتوسيع هجومها العسكري واجتياح المدينة التي تستضيف ما يزيد عن نصف سكان قطاع غزة، وقد بدأت بالفعل بعمليات قصف مكثفة طالت أماكن متفرقة من المدينة المكتظة.
وترى مؤسساتنا أن استمرار إبادة المدنيين/ات الفلسطينيين/ات، وإجبار نحو 1.5 مليون فلسطيني/ة على النزوح مجدداً له تداعيات كارثية تدلل على الإمعان الإسرائيلي في المضي قدماً في جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين/ات، وهو ما يخالف التدابير الاحترازية الصادرة عن محكمة العدل الدولية بتاريخ 26 يناير/ كانون الثاني 2024 ضد إسرائيل. وجددت المحكمة يوم الجمعة، 16 فبراير/ شباط 2024، تأكيدها أن التطورات في قطاع غزة، وخاصة في رفح من شأنها أن تزيد بشكل كبير ما يعتبر بالفعل كابوساً إنسانياً له عواقب إقليمية، ويتطلب هذا الوضع الخطير تنفيذاً فورياً للتدابير المشار إليها. وشددت المحكمة على أن إسرائيل تظل ملزمة بالامتثال لاتفاقية الإبادة الجماعية بما فيها ضمان أمن الفلسطينيين/ات بغزة.
وتفرض قوات الاحتلال الإسرائيلي حصاراً خانقا على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومازالت ماضية في هجومها العسكري الذي تسبب في تدمير البنى التحتية، وخلق أزمة إنسانية غير مسبوقة، مع شح إمدادات الغذاء والماء والدواء، ونزوح غالبية سكان القطاع. فقد صدرت خلال هذه الفترة أوامر بتهجير السكان من مساحة قدرها 246 كيلو متراً مربعاً، ما يعادل 67% من مساحة قطاع غزة البالغة 360 كيلو متراً مربعاً. وقد دفعت أوامر التهجير الإسرائيلي التي يتم اصدراها بشكل متكرر سكان القطاع إلى النزوح أكثر من مرة، حتى وصل نحو مليون ونصف منهم إلى مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، بحيث تضاعف عدد سكان هذه المدينة إلى خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي ظل تجاهل إسرائيل لجميع الدعوات التي تحذر من العواقب الخطيرة للعملية البرية في رفح، كذلك الاستجابة الإنسانية الضعيفة التي لا تتناسب مع واقع سكان قطاع غزة المتكدسين في مدينة رفح، فإننا مقدمون على مذبحة جديدة تطال ما تبقى من سكان القطاع في تجلِ واضح لجريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، وذلك بالنظر إلى الاستخدام المفرط للقوة بشتى أنواع الأسلحة من قوات الاحتلال، ما يعني احتمالية مضاعفة أعداد ضحايا العدوان الحربي بشكل يفوق التوقعات.
وقد سبق لمؤسساتنا أن حذرت من الأوضاع الكارثية للسكان النازحين في جميع مناطق قطاع غزة، حيث يعانون الجوع وانعدام الأمن الغذائي، في وقت نفذت فيه معظم السلع الغذائية الأساسية من الأسواق كاللحوم والدواجن والبيض والخضار بمختلف أنواعها والسكر وغاز الطهي والوقود، بينما ارتفعت أسعار السلع المتوفرة إلى ما يزيد عن 500% من سعرها الطبيعي، وهو ما يثقل كاهل النازحين/ات في الحصول على أدنى احتياجاتهم الأساسية.
ولا تتيسر للنازحين/ات أي إمكانية للحصول على الرعاية الطبية الملائمة، حيث تعاني المستشفيات في رفح من تكدس ٍللمرضى والجرحى، نتج عنه نسبة إشغال عالية للأسرة في جميع الأقسام الطبية وصلت حسب وزارة الصحة إلى 279%، وهو ما يفوق قدراتها، ويخلق حاجة كبيرة لتحويل آلاف المرضى والجرحى للعلاج خارج القطاع.
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، تعاني مستشفيات رفح نقصاً شديداً في الأدوية والمستلزمات الطبية وخاصة أدوية التخدير وخيوط العمليات الجراحية. كما تعاني المختبرات نقصاً حاداً في وحدات الدم ومشتقاته وأكياس الدم وفحوصات الفصيلة الدموية وفحص التوافق، بالإضافة إلى عدم توفر الفحوصات الفيروسية للمرضى، ونقص الفحوصات الكيمائية الخاصة بمرضى الكلى والكبد والحوامل، ونقص المضادات الحيوية اللازمة للمزارع البكتيرية.
ويتزامن ذلك مع مداهمة قوات الاحتلال الإسرائيلي مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس، والذي يعتبر المستشفى الأهم في مناطق جنوب قطاع غزة، وهو ما يحرم آلاف الجرحى والمرضى من أي أمل في تلقيهم العلاج.
ويتوقع أن يؤدي أي تقدم بري محتمل لقوات الاحتلال الإسرائيلية باتجاه مناطق مدينة رفح إلى انهيار منظومة المساعدات الإنسانية الهشة، والتي تمر عبر المعابر الحدودية الموجودة في الجنوب الشرقي لمدينة رفح، وهما معبر رفح البري مع جمهورية مصر، ومعبر كرم أبو سالم مع جانب الاحتلال الإسرائيلي.
وقد بدأت معالم المشهد القاتم بالظهور بعد إعلان هيئة المعابر الفلسطينية عن تراجع كبير في عدد شاحنات المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة حيث تم دخول نحو 40 شاحنة فقط خلال الأسبوع الأخير، وذلك مع استمرار إغلاق معبر كرم أبو سالم من المستوطنين، وهو ما يُخالف التدابير الطارئة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، ما يفاقم الأوضاع المعيشية الصعبة لسكان قطاع غزة مع استمرار العدوان الحربي للشهر الخامس على التوالي.
ووثقت مؤسساتنا تزايد حالات الوفاة الناتجة عن الجوع أو سوء التغذية أو الأمراض المرتبطة بهما في قطاع غزة، كان آخرها وفاة 4 أطفال في شمال قطاع غزة، فمع تدهور الحالة الاقتصادية لا يستطيع النازحون/ات تأمين الغذاء الصحي والمتنوع، يضاف إلى ذلك عدم حصولهم إلا على ما بين 1.5 إلى 2 لتر للشخص من المياه غير الآمنة يومياً، لتلبية جميع احتياجاتهم. كما يأتي ذلك مع التصعيد الإسرائيلي ضد وكالة الأونروا، بالإضافة إلى القرارات التي اتخذتها عدة دول بوقف تمويلها، والعمل على تقوض عملها، ما يعني وقف تزويد أهالي قطاع غزة بالمواد الغذائية، والتي يدخل منها حوالي 5٪ من احتياجات القطاع حالياً.
وفي أعقاب تصاعد القصف الإسرائيلي على منازل سكنية في رفح، بالتوازي مع التهديد بالهجوم العسكري عليها، رصدت مؤسساتنا حالات نزوح جديدة للسكان من المدينة باتجاه مناطق لا تقل خطورةً في وسط قطاع غزة، حيث اضطر هؤلاء إلى النزوح المتكرر هرباً من عمليات القصف الإسرائيلي المستمر.
ووثقنا إفادات عدد من النازحين/ات خلال فكهم لخيامهم قبل توجههم إلى أماكن نزوح جديدة خوفاً من العملية العسكرية المحتملة في مدينة رفح، حيث ينتظر هؤلاء ظروفاً مشابهة، بل وأشد صعوبةً، داخل ملاجئ مكتظة أو في الشوارع، بعدما اعتقدوا أن مدينة رفح كانت الملاذ الأخير بالنسبة لهم.
فقد أفاد المواطن عبد الله سليم حرارة، 55 عاماً: "سأنزح مع عائلتي للمرة الخامسة خلال الأشهر الأربع السابقة. تركت منزلي في حي الشجاعية بمدينة غزة في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتوجهت مع عائلتي إلى مستشفى الشفاء، حيث اعتقدت أنه آمن إلى أن اقتربت قوات الاحتلال الإسرائيلي منه في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فتوجهت لإحدى المدارس في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وبقيت هناك حتى جاءت أوامر الإخلاء من مربعات سكنية في مخيم النصيرات خلال شهر ديسمبر/كانون الأول. ذهبت لإقامة خيمة في محيط مقر صناعة وكالة الأونروا في مدينة خانيونس حتى اقتربت قوات الاحتلال من المكان في أواخر يناير/كانون الثاني 2024، ثم توجهت إلى مدينة رفح وكانت مكتظة جداً فلم أجد مكاناً لعائلتي في بداية الامر حتى حصلت على خيمة في منطقة المواصي بالقرب من الحدود المصرية. وبسبب التهديدات الأخيرة باجتياح مدينة رفح أقوم بفك خيمتي للذهاب إلى مدينة دير البلح ولا أدري هل سأجد فيها مكاناً لخيمتي هناك وليس لي خيار آخر لحماية عائلتي، فأنا لا أريد الانتظار للتحرك تحت التهديد الإسرائيلي. أبحث عن الأمان لعائلتي رغم فقدان كل مقومات الحياة الكريمة من مأكل ومشرب وملبس، وأعتقد أننا استنفذنا كل محاولات البقاء على قيد الحياة".
ولا يتوفر لمعظم السكان قرار النزوح من جديد بسبب التكاليف العالية للنقل والمواصلات، ما يجعلهم أمام خيار البقاء في أقصى الجنوب من الجزء الغربي لمدينة رفح، بالقرب من البحر، خشية تعرضها لهجوم بري من الجهة الشرقية القريبة من الحدود مع إسرائيل. فقد أفادت المواطنة سميرة أبو عوض، 62 عاماً، لباحثينا: "وصلت إلى مدينة رفح في يناير 2024، بعدما نزحت مع 20 من عائلتي لثلاثة أماكن قبلها. بعد كل هذه المعاناة لن نستطيع النزوح مجدداً إلى أي مكان آخر، فأنا وعائلتي لا نملك ما يمكننا شراء طعامنا ونعتمد على المساعدات الغذائية فقط، والتي لا توفر لنا كل متطلباتنا، وليس لدينا مكان آخر للذهاب إليه، لذا قررنا البقاء في خيمتنا على الحدود المصرية غرب مدينة رفح، وهي الملاذ الأخير لنا".
وفي ضوء ذلك، ترى مؤسساتنا أن الاحتلال الإسرائيلي يضرب بعرض الحائط القوانين الدولية، لذا فإن أمام المجتمع الدولي فرصة أخيرة لإعادة الاعتبار لسلطة الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة، وقرارات أهم محكمة في العالم.
نجدد دعوتنا لإجبار إسرائيل على وقف جريمة الإبادة الجماعية ومن ضمنها التهجير القسري للفلسطينيين/ات، وفرض وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإلزامها بتطبيق قرارات محكمة العدل الدولية بمنع ارتكاب إبادة جماعية، ودفعها إلى اتخاذ تدابير عملية تحفظ أرواح المدنيين/ات في قطاع غزة ووققف كافة مخططاتها بالهجوم البري على مدينة رفح.
كما تدعو مؤسساتنا إلى المزيد من الضغط على إسرائيل لتسهيل وصول المساعدات الغذائية والطبية إلى جميع مناطق قطاع غزة دون أي استثناء لوقف جريمة العقاب الجماعي المتمثلة بتجويع السكان وحرمانهم من حقهم في العلاج.