بيانات صحفية

في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب

غياب العدالة يشجع على استمرار جريمة التعذيب، الميزان يدعو إلى اتخاذ التدابير القانونية والقضائية لحماية ضحايا التعذيب

    شارك :

26 يونيو 2021 |المرجع 63/2021

يأتي اليوم العالمي لمناهضة التعذيب 26 حزيران/ يونيو الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، باعتباره اليوم الذي بدأ فيه نفاذ الاتفاقية الدولية الخاصة بمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة لعام 1987؛ في ضوء استمرار غياب الحماية العادلة للفلسطينيين، وإفلات مرتكبي التعذيب وسوء المعاملة من العقاب، وعدم قدرة الضحايا الفلسطينيين على الوصول إلى العدالة، بالنظر إلى جملة العوائق القانونية والقضائية التي وضعتها دولة الاحتلال، الأمر الذي جعل الضحايا خارج دائرة الحماية التي أقرتها المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني.

 

وبحسب أعمال الرصد التي يواصلها مركز الميزان، فإن ممارسة التعذيب تجد موضعها في القوانين الإسرائيلية، حيث تُجيز المادة (34) من قانون العقوبات الإسرائيلي لعام 1977م وتعديلاته، للمحققين الإسرائيليين بالدفع بحالة الضرورة، فيما لو تم اتهامهم أمام القضاء بارتكاب التعذيب أو سوء المعاملة، مما يُشكل غطاءً قانونياً صريحاً عززته المحكمة العليا الإسرائيلية بموجب قرارها رقم (5100/94) الصادر عنها بتاريخ 6/9/1999م، عندما حظرت التعذيب كأصل عام، غير أنها أجازته في حال الخطر الداهم، أو حالة الضرورة المذكورة بموجب المادة (34) سالفة الذكر. كما يتجسد دور القضاء في شرعنة التعذيب، بموجب العديد من الأحكام القضائية التي تم بنائها وتأسيسها على أدلة غير مشروعة كالاعتراف تحت الإكراه، مما يُخالف جوهر ضمانات المحاكمة العادلة المكفولة بموجب المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومخالفة صريحة للمادة (2) من اتفاقية مناهضة التعذيب التي أوجبت على كل دولة طرف أن تتخذ الإجراءات التشريعية والإدارية والقضائية لضمان منع أعمال التعذيب.

 

وفي نمط آخر من أنماط التعذيب، تتفاقم معاناة المرضى[1] في قطاع غزة جراء المعاملة القاسية واللاإنسانية التي يتعرضون لها في معرض محاولتهم الوصول إلى المستشفيات، واستمرار حرمان المزارعين والصيادين من الوصول لأراضيهم وأماكن كسب رزقهم في عرض البحر من خلال الاستيلاء على المراكب، وضخ المياه العادمة على الصيادين، وتوجيه الشتائم والألفاظ النابية الحاطة بالكرامة الإنسانية وإطلاق النار صوب الصيادين الفلسطينيين، الأمر الذي يُفضي إلى تكبدهم خسائر ومعاناة شديدة ومستمرة، مما جعل من التعذيب وخاصة المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة تأخذ الطابع الممنهج، وتنحو إلى خصائص الجريمة المستمرة، التي لا تنقطع بمجرد ارتكاب الفعل المكون لها، وهو ما يُشكل انتهاكاً للمادة (16) من اتفاقية مناهضة التعذيب التي حظرت كافة صور إساءة المعاملة.

 

وفي سياق أنماط سوء المعاملة التي يتعرض لها الفلسطينيون، صرح المواطن خ، ر (27) عاماً بالآتي: " وبينما كنت أعمل على مركب صيد في عرض البحر شمال قطاع غزة، توقف المركب عن الحركة، فوجئت بإطلاق النار علينا من قبل الزوارق الإسرائيلية، بعد ذلك تعرضنا لضخ المياه العادمة بقوة، وصدم زورق إسرائيلي مركبنا، فسقطت في البحر، وتواصل إطلاق النار، حتى أصبت في يداي، وكدت أن أغرق، ثم جرى اعتقالي ونقلي إلى الزورق بعد أن أجبروني على خلع ملابسي، وتعرضت للضرب على أنحاء متفرقة من جسدي من قِبل أحد الجنود لمدة دقيقتين تقريباً بواسطة قبضة اليد والركل، ثم اقتادونا إلى مركز للتحقيق في ميناء إسدود البحري..."

 

أما على المستوى المحلي، ما زالت دولة فلسطين المحتلة لم تفِ بالتزاماتها الدولية الناشئة عن انضمامها بتاريخ 2 نيسان/ أبريل 2014م بدون تحفظات للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب لعام 1987م، حيث لم توائم تشريعاتها العقابية والدستورية مع أغراض تطبيق الاتفاقية، ولازال التعذيب وسوء المعاملة يمارس في الأراضي الفلسطينية، وما تثيره الوفاة غير الطبيعية للناشط السياسي والمرشح للانتخابات التشريعية نزار بنات يعزز القناعة باستمرار ممارسة التعذيب وسوء المعاملة مع الخصوم السياسيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي يفرض تحقيقاً ومسائلة تحقق العدالة للضحية وأسرته، ويظهر الأهمية القصوى لإنشاء الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب وفقا لالتزامات دولة فلسطين بموجب البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب والذي وقعت عليه دولة فلسطين وعليها واجب إنشاء الآلية في غضون فترة أقصاها سنة بعد بدء نفاذ البروتوكول.

 

مركز الميزان إذ يُعرب عن تضامنه مع ضحايا التعذيب أينما كانوا حول العالم، فإنه يستنكر بشدة استمرار ممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة، بحق الضحايا الفلسطينيين، ويرى أن غياب الحماية القانونية والقضائية العادلة من قبل دولة الاحتلال، أفضى إلى جعلها تأخذ طابعاً منظماً وشكلاً من أشكال العقاب الجماعي كما في حالة المرضى والصيادين والمزارعين وغيرهم، وتتخذ المظهر الفردي كما في حال المعتقلين أثناء القبض عليهم وخلال فترة التحقيق، مما وضع الفلسطينيين خارج نطاق الحماية المكفولة لهم بموجب المعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

 

كما يطالب المركز دولة فلسطين بالإسراع إلى موائمة تشريعاتها الوطنية مع التزاماتها الناشئة عن الانضمام إلى المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، خاصة اتفاقية مناهضة التعذيب وبروتوكولها الملحق، وتشكيل الآلية الوطنية الوقائية، وضمان وقف ممارسة التعذيب وسوء المعاملة، وتجريمها تشريعاً، وعقاب مرتكبيها تطبيقاً، ويدعوها إلى اتخاذ كافة التدابير التي من شأنها الوفاء بالتزاماتها على أكمل وجه.

 

مركز الميزان يدعو المجتمع الدولي والأجسام الدولية المتخصصة، لتحمل مسؤولياتها القانونية، من أجل الضغط على دولة الاحتلال لتغيير تشريعاتها وتجريم التعذيب وسوء المعاملة دون تبني أية إستثناءات تسمح بوقوعه، وضمان العدالة لضحايا التعذيب بمسائلة ومحاسبة مرتكبي الجريمة، وإنصاف الضحايا وجبر أضرارهم.

 

انتهى


[1] انظر ورقة حقائق صادرة عن مركز الميزان بخصوص إساءة معاملة المرضى: http://mezan.org/post/32350