تقارير و دراسات

قراءة قانونية في: قانون رقم (3) لسنة 2019م بشأن العقوبات والتدابير البديلة

    Share :

18 أغسطس 2020

شهدت نظريات الدفاع الاجتماعي الرامية لمكافحة الجريمة، تغيُّراً على مستوى الغايات والدوافع، الأمر الذي أثّر في اتجاهات السياسة الجنائية الحديثة وأدى إلى ظهور مبدأ تفريد العقوبة تشريعاً وقضاءً وتنفيذاً. وذلك سعياً لجعل العقوبة قادرة على دفع المخاطر والأضرار عن المصالح الاجتماعية، التي يرى المشرع الجنائي أنها جديرة بالحماية. وفي الآن نفسه استئصال الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص الجاني وإعادته إلى ركب الحياة الاجتماعية والإنسانية. وضمن هذا المنظور انتقلت العقوبة التي هي بمثابة رد فعل اجتماعي على وقوع الجريمة، من فكرة الانتقام من الجاني إلى فكرة إصلاحه وإعادة تأهيله وصولاً لإدماجه في المجتمع، مما يعني وجوب اختيار الخطة العقابية المُناسبة بإحكام والتي من شأنها تحقيق مهمة الدفاع الاجتماعي من ذلك المنظور.

ويتطلب الوصول لغايات تحقيق مهمة الدفاع الاجتماعي وفقاً للفلسفة العقابية الحديثة؛ اختيار وإعداد الخطة العقابية المُناسبة، ومن ثم مرورها بالمراحل الآتية: 1-المرحلة التشريعية التي تقتضي سلامة الإجراءات الشكلية الخاصة بإصدار القاعدة القانونية، وسلامة التوجهات الموضوعية لتلك القاعدة وفرضياتها التي تسعى في الحالة الماثلة أمامنا إلى تحقيق أغراض تنفيذ الجزاء الجنائي بمفاهيمه الثلاث الردع الخاص مع إصلاح الجاني، والردع العام منعاً لتكرار وقوع الجريمة من باقي أفراد المجتمع، والعدالة بصورتيها المعنوية والمادية، الأمر الذي يتطلب اعتماد المشرع الفلسطيني على ما توصلت إليه دراسات وأبحاث العلوم الجنائية الحديثة خاصة علمي الإجرام والعقاب. 2- المرحلة القضائية التي تتطلب منح القاضي السلطة التقديرية الكافية لتمكينه من إيقاع العقوبة التي تتناسب مع طبيعة الجرم الواقع وطبيعة الظروف الشخصية للجاني. 3- مرحلة المعاملة العقابية داخل المؤسسة العقابية، والتي تتطلب إعداد البرامج الإصلاحية بعناية فائقة والتي تُسهم في تقويم سلوك الفاعل.  

 وفي ضوء تباين نوع ومقدار الجزاء الجنائي بصورتيه العقوبة والتدبير الاحترازي، فإن الفرض يُشير إلى اختلاط مرتكبي الجرائم الخطيرة بمرتكبي الجرائم البسيطة داخل المؤسسة العقابية الواحدة، وبالتالي اكتساب وتبادل أنماط سلوكية واجتماعية وفكرية فيما بينهم، الأمر الذي دفع الفقه الجنائي للتوقف أمام خطورة هذه المسألة على اعتبار أنها تؤدي إلى إهدار فكرة أغراض تنفيذ الجزاء الجنائي، حيث توجهت الجهود للبحث عن عقوبات بديلة تحول دون اكتساب السلوك الإجرامي، وتعمل  أيضاً على تحقيق تلك الأغراض الجزائية. وهنا تثور إشكالية جوهرية تتمثل في ماهية الجرائم الداخلة في نطاق دائرة العقوبات البديلة، حيث أن إدخال الجرائم الخطيرة في تلك الدائرة من شأنه أن يُضعف من مسألة تحقيق أغراض تنفيذ الجزاء، الأمر الذي سوف تناقشه الورقة لاحقاً.

لقد تعددت العوامل والأسباب التي دفعت التشريعات الجنائية المُقارنة لتبني نظام العقوبات البديلة، فمنها من اتخذ من ظاهرة تكدس أعداد المحتجزين سبباً لتبني نظام العقوبة البديلة والتي اقترنت في الغالب بغرامة مالية عالية لمن لا يلتزم بها، وفي الآن نفسه اتجهت إلى التوسع في صور الجرائم الداخلة في دائرة العقوبات البديلة الأمر الذي مثله التيار النفعي، ومنها من اتخذ من فكرة الإصلاح والتأهيل والعمل على إعادة دمج الجاني في المجتمع بعد استيفاء كافة الإجراءات الضرورية وفحص نفسية وظروف الجاني سبباً لتبني نظام العقوبات البديلة حيث نجده قلص من صور الجرائم الداخلة في دائرة العقوبات البديلة، الأمر الذي مثله وبحق التيار الموضوعي.

وانطلاقاً من الدور الرقابي لمركز الميزان لحقوق الإنسان، على التشريعات والسياسات الرسمية الفلسطينية، ومدى انسجامها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وبالرغم من موقفه الثابت تجاه مسألة وحدة القوانين ووجوب مراعاة سلامة الإجراءات الشكلية التي نظمها القانون الأساسي والنظام الداخلي للمجلس التشريعي عند إصدار التشريعات، فإنه يُسلط الضوء من خلال هذه الورقة على  قانون رقم (3) لسنة 2019م بشأن العقوبات والتدابير البديلة المنشور في العدد التاسع والتسعون من الوقائع الفلسطينية (الجريدة الرسمية- غزة)، وذلك من الناحية الموضوعية، حيث يُناقش صور الجرائم الداخلة في نطاق دائرة العقوبات والتدابير البديلة، لتبيان مدى سلامة التوجهات الموضوعية للقانون خاصة تحقيقه لأغراض تنفيذ الجزاء الجنائي. والناحية الإجرائية سواء القالب الذي صدر فيه القانون أو اللائحة التنفيذية التي يستوجب إصدارها بشكل ينسجم مع التنظيم الدستوري المُتعلق بإصدار اللوائح.

للاطلاع على الورقة، اضغط هنا

Attachments