بيانات صحفية

وقف الانهيار أقل كلفة من التعامل مع آثاره

مركز الميزان يحذر من تداعيات انهيار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة ويناشد المجتمع الدولي بالتحرك العاجل

    شارك :

31 يناير 2018 |المرجع 5/2018

تشهد الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تدهوراً متسارعاً وغير مسبوقاً، بات يهدد بانهيار وشيك للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، يهدد حق الإنسان في الحياة، في ظل التراجع المتسارع في مستويات المعيشة وفي الخدمات الأساسية التي لا غنى عنها لحياة السكان، كالرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي وصحة البيئة.

 

كما يهدد التراجع المتسارع في أوضاع المعيشة حق البشر في هذا المكان من العالم بالحياة، الأمر الذي ينذر بتداعيات اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية بالغة الخطورة ويصعب التنبؤ بحدودها. وربما يشكل تقليص عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التي تعتبر المزود الأكبر للخدمات الأساسية في قطاع غزة ضربة قاضية، تفضي إلى الانهيار التام للأوضاع الإنسانية في قطاع غزة. مركز الميزان لحقوق الإنسان يطالب بتدخل فاعل وعاجل من المجتمع الدولي وكافة الأطراف لإنقاذ الحياة في هذا المكان والحيلولة دون تداعيات أمنية وسياسية واجتماعية ستهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، وأن يبادر إلى تقديم مساعدات عاجلة للقطاع الحكومي وللأونروا والمؤسسات الأهلية.

 

لقد بدأت الآثار السلبية العميقة والمتراكمة للحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة للعام الثاني عشر على التوالي، في الظهور، حيث خلّف كوارث على القطاعات الاقتصادية والخدماتية كافة، ولاسيما بعد أن نجح في تقويض القطاع الخاص، الذي كان يعد المشغل الرئيسي للأيدي العاملة في قطاع غزة. ووسط سياسات يستخدم فيها التمويل لأغراض سياسية، أصبح استمرار عمل الأونروا وقدرتها على تقديم خدمات أساسية كالرعاية الصحية الأولية والتعليم والنظافة مهدداً. كما أضعف من قدرة مكونات المجتمع كافة سواء المؤسسات الحكومية كالمستشفيات والجهات المشرفة على الخدمات المختلفة، أو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، أو المؤسسات الأهلية والغوثية، التي ضعفت قدرتها على الاستقرار وتقديم الخدمات.

 

ويترافق استمرار الحصار والقيود المفروضة على حرية الحركة والتنقل، ولاسيما حرمان المرضى الذين يتهدد خطر الموت حياتهم، وحرمان السكان من أبسط حقوقهم الإنسانية، مع الإجراءات التي اتخذتها حكومة الوفاق الوطني بحسم نسب من رواتب موظفيها تراوحت بين 30 و60٪. كما أحالت آلاف الموظفين في القطاع العام إلى التقاعد المبكر.

وانعكست هذه الإجراءات بشكل واضح على الأوضاع المعيشية حيث أفقرت آلاف الأسر، وحرمت أسر أخرى كانت تتلقى مساعدة من أبنائهم وأقاربهم الموظفين، بعد أن ضعفت قدرتهم بسبب الحسومات على رواتبهم.

 

كما ظهرت مؤشرات تبعث على القلق والخوف خاصة في ظل ما يتعرض له النظام الصحي، المتدهور أصلاً، من مشكلات أضعفت قدرته على التعامل مع الحالات الحرجة ولاسيما تلك المصابة بأمراض خطيرة. كما تتواصل القيود المفروضة على الوصول إلى الرعاية الصحية من خلال أنواع مختلفة من العقبات والقيود أبرزها وأطولها القيود المشددة على تنقل المرضى من وإلى القطاع والتي أفضت إلى وفاة (19) مريضاً خلال عام 2017.

 

واستمرت أزمة انقطاع التيار الكهربائي، كما طفت على السطح أزمة الوقود لتفاقم من أزمة الخدمات الصحية. ووفقاً لمصادر وزارة الصحة في قطاع غزة، تحتاج المرافق الصحية - في ظروف التزويد بالتيار الكهربائي المعمول بها حالياً (6) ساعات وصل مقابل (12) ساعة قطع - إلى (512.280) لتر من الوقود شهرياً. وبحسب الوزارة فإن أزمة الوقود تهدد (702) مريض في المستشفيات، ممن يحتاجون إلى غسيل كلى من مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعياً. هذا علاوة على (100) مريض من قسم العناية المركزية، و(113) من الأطفال حديثي الولادة في حال عدم قدرتها على تشغيل مصادر الطاقة البديلة.

 

كما تواجه المرضى ظروفاً قاهرة بعدما اشتد النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية، حيث تعاني خدمة الطواريْ، والعمليات، والعناية الفائقة، والرعاية الصحية الأولية، ومرضى السرطان وأمراض الدم، من نقص حاد في الأدوية، حيث بلغ في شهر ديسمبر 2017م عدد الأصناف التي نفذ رصيدها (299) صنف دوائي بنسبة عجز بلغت (44%) كما نفذ (236) صنفاً من أصناف المهمات الطبية خلال الفترة نفسها بنسبة عجز بلغت (28%).

 

 هذا وأصيب الاقتصاد بانهيار، نتيجة القيود المفروضة على حرية الحركة والتنقل للأفراد والبضائع، واستمرار حكومة الوفاق الوطني في اتباع سياسة التقشف وخفض النفقات الجارية في قطاع غزة، وتراجع تمويل المؤسسات الأهلية. كما أن تدهور القدرة الشرائية للسكان بسبب شيوع الفقر بشكل يتجاوز كل ما يشاع من أرقام، في ظل اعتماد حوالي 80٪ من السكان على مساعدات يعبر عنه بشكل أكبر وضوحاً الانخفاض الكبير منذ بداية عام 2018 في أعداد شاحنات البضائع التي تدخل إلى قطاع غزة لتصل إلى 30٪ مما تسمح بمروره سلطات الاحتلال.

 

كما تراجع مستوى الخدمات الاجتماعية الأساسية بشكل ملحوظ وباتت قدرة قطاع الحماية الاجتماعية على توفير الخدمات في أضعف مراحله في ظل انتشار غير مسبوق لظاهرة الفقر. وهنا تجدر الإشارة أن تدهور متوسط الدخل جعل عشرات آلاف العاملين فقراء فقراً مدقعاً بالرغم من مزاولتهم للعمل. كما تفاقمت أزمة السكن خاصة مع القيود المفروضة على استيراد مواد ومستلزمات البناء وضعف التمويل والدعم المالي الدولي. وتستمر أزمة التيار الكهربائي في المراوحة لتتجاوز بتأثيراتها القطاعات الاقتصادية إلى مكونات البيئة وخلقت كارثة بيئية غير مسبوقة نتيجة التوقف المتكرر لعمل محطات معالجة المياه، مما يدفع جهات الاختصاص الفلسطينية-المتمثلة بالبلديات ومصلحة مياه بلديات الساحل- إلى ضخّ مياه الصرف الصحي دون معالجة -كما تصل من المنازل والمنشآت- إلى البحر.

 

مركز الميزان لحقوق الإنسان وفي ظل تدهور الأوضاع الإنسانية المتسارع وبدء انهيار القطاعات الاقتصادية المختلفة والتي عانت على مدى أحد عشر عاماً من الضعف الشديد جراء تدمير المنشآت والبضائع والحصار المشدد، يعبر عن قلقه الشديد من تداعيات انهيار الأوضاع الاقتصادية على الأوضاع الإنسانية والسلم الاجتماعي والاستقرار الأمني والسياسي.

 

كما يشدد مركز الميزان على أن تجاهل المجتمع الدولي للتقارير التي أشارت إلى أن قطاع غزة لن يصبح مكاناً صالحاً للحياة في عام 2020، وعدم اتخاذ خطوات فعّالة لمنع الوصول إلى هذه الحالة أسهم في وصول القطاع إلى هذا الوضع بهذه السرعة. والمركز يشير إلى أن قطاع غزة سيشهد كارثة لن يكون بمقدور السكان تحملها خلال أشهر معدودات إذا ما استمر تجاهل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعصف به على هذا النحو.

 

وعليه فإن مركز الميزان يناشد المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية الإنسانية وكافة الأطراف بالتحرك العاجل واتخاذ خطوات عملية وجدية على الأرض لوقف هذا التدهور وانقاذ الحياة في قطاع غزة. ومركز الميزان إذ يؤكد على إلحاحية الدعم المالي العاجل والسريع، فإنه يؤكد على أن المشكلات السياسية هي التي خلقت هذا الواقع، وإن استمرار هذا الوضع بالضرورة سيفاقم من المشكلات السياسية والأمنية التي قد تطال دول الجوار، وبالتأكيد ستصل آثارها الإنسانية إلى دول مختلفة حول العالم. فأوضاع كارثية كالتي يشهدها القطاع تدفع السكان ولاسيما الشباب منهم إلى الهجرة والتطرف.

إن التعامل مع المشكلات القائمة وحلها أقل كلفة على المجتمع الدولي والأطراف الفاعلة محلياً وإقليمياً من التعامل مع تداعياتها وآثارها الإنسانية والاجتماعية والسياسية والأمنية.

عليه فإن مركز الميزان يناشد المجتمع الدولي بالتدخل على أكثر من صعيد، فالتدخل الغوثي العاجل لمنع الانهيار التام يشكل ضرورة عاجلة، ولكنه لن يحل المشكلة دون العمل على إنهاء حصار غزة فوراً، والدفع لإنهاء المشكلات السياسية بما فيها إنهاء الاحتلال ودعم جهود المصالحة الفلسطينية.

انتهى