بيانات صحفية

عامان على وقف العدوان، وتستمر معاناة الضحايا في انتظار تحقيق العدالة

مركز الميزان يطالب المجتمع الدولي برفع الحصار عن غزة وإنهاء حالة الحصانة والإفلات من العقاب

    شارك :

28 أغسطس 2016 |المرجع 50/2016

 

يصادف يوم الجمعة الموافق للسادس والعشرين من آب (أغسطس) 2016 مرور عامين على توقف العمليات الحربية واسعة النطاق التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانها الذي أطلقت عليه اسم (الجرف الصامد) والتي استمرت على مدى 51 يوماً من أعمال القتل والهدم والتدمير، وسط صمت المجتمع الدولي وعجزه عن الوفاء بواجباته في التدخل لوقف الانتهاكات والسعي لملاحقة كل من يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب.

 

وكانت قوات الاحتلال شرعت في هجومها على القطاع، بشن مئات الغارات الجوية طالت أنحاء متفرقة من كافة مدن وأحياء قطاع غزة، وتزامنت مع عمليات قصف مدفعي بري وبحري بالقذائف المدفعية والصاروخية.  وطالت الهجمات الحربية الممتلكات والأعيان المدنية، ودمرت آلاف المنازل السكنية التي سويت بالأرض، وقتلت المئات من المدنيين ولاسيما داخل بيوتهم، بمن فيهم نساء وأطفال وشيوخ.  وأخذت دائرة استهداف الأعيان المدنية تتوسع يوماً بعد يوم لتشمل كافة مناطق القطاع، ولم تعد منطقة آمنة ضد الهجمات الحربية. كما توسعت الهجمات لتشمل المباني الحكومية، الجمعيات والمؤسسات المدنية والمتنزهات العامة، المساجد، المرافق الصحية والتعليمية، فضلاً عن استهداف مشاريع البنية التحتية الأساسية كالكهرباء، المياه والصرف الصحي والطرق والهاتف، واستمر العدوان لمدة (51) يوماً.

 

لقد واجه المدنيون الفلسطينيون في قطاع غزة أهوالاً لا يمكن وصفها، في ظل غياب الحماية وتعمد قوات الاحتلال قصف المنشآت المدنية، وملاجئ الأمم المتحدة التي ترفع العلم الأممي واستهداف المستشفيات وسيارات الإسعاف وطواقمها والمساجد. وتسببت أعمال القتل المروعة والتدمير الهائل في الممتلكات والأعيان المدنية خلال العدوان الحربي في عمليات نزوح جماعي، حيث اضطر الآلاف من أفراد العائلات الأخرى إلى ترك وهجر منازلها حفاظاً على حياة أفرادها وأمنهم وسلامتهم وسط انقطاع متواصل للتيار الكهربائي ومياه الشرب، وهرباً من عمليات القتل وإطلاق النيران والقذائف الصاروخية والمدفعية تجاههم خلال تواجدهم في منازلهم، وأصبحت آلاف العائلات بلا مأوى آمن.  وفيما خلفت الهجمات المزيد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، سواءً داخل منازلهم أو خلال محاولاتهم الفرار من القذائف والنيران التي طالتهم، فقد تفاقمت عمليات التهجير القسري الجماعية في مناطق القطاع كافة بعد قيام القوات الحربية المحتلة بإلقاء المناشير والبيانات من الطائرات، أو عبر إرسال رسائل هاتفية لمنازل السكان لتهددهم بدك منازلهم أو اقتحام مناطقهم، وتأمرهم بمغادرة منازلهم، ما أجبر أكثر من (520.000) فلسطيني/ة، أي أكثر من ربع سكان القطاع للهروب من منازلهم.

 

وتجدر الإشارة إلى أن عمليات التحذير بالوسائل المختلفة لعبت دوراً في ترهيب وتضليل المدنيين ولاسيما وأن الاتصالات والبيانات الورقية غطت معظم أرجاء القطاع ما جعل السكان يتشككون في جديتها ويترددون في الخروج من مساكنهم، حيث أجبروا لاحقاً على الهروب تحت نيران القصف المدفعي والصاروخي. وأعادت عمليات النزوح الجماعي إلى الأذهان جريمة التهجير القسري الجماعي التي عاشتها معظم العائلات الفلسطينية خلال نكبة فلسطين في العام 1948.  ورغم لجوء المدنيين الى مراكز إيواء كالمدارس وغيرها، طلباً للحماية إلا أنها لم تكن بمنأى عن الهجمات الحربية، حيث قصفت تلك القوات 8 مراكز إيواء أو محيطها وأوقعت العشرات من القتلى والجرحى في صفوف النازحين.

 

وتشير خلاصة التحقيقات إلى أن قوات الاحتلال ارتكبت أعمال قتل منظمة بحق السكان المدنيين خلال هجومها الحربي على قطاع غزة، حيث هاجمت المدنيين داخل منازلهم وقتلت المئات بعد أن دمرت منازلهم فوق رؤوسهم في انتهاكات لأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني. وسقط المئات من المدنيين كضحايا لهجمات حربية استهدفت أعياناً مدنية، كالمرافق الصحية والتعليمية بما فيها مراكز الإيواء التابعة للأونروا ودور العبادة والأسواق الشعبية.  وقتل العشرات من المدنيين أثناء تنفيذ تلك القوات لعمليات إعدام خارج نطاق القانون، وذلك باستهداف مباشر لمن تدعي أنهم مطلوبين لها، عبر قصف سياراتهم المتحركة في الشوارع العامة دون أن تراعي مبدأ حماية المدنيين وقت تنفيذ ضرباتها الجوية.  كما قتل عدد من المدنيين بعد أن تعرضوا لجرائم قتل عمد وبدم بارد، بما في ذلك إطلاق النار عليهم بعد احتجازهم وخضوعهم لتلك القوات. 

 

وتشير التحقيقات الميدانية التي أجرتها مركز الميزان لحقوق الإنسان إلى أن قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي ارتكبت أنماطاً متعددة من الانتهاكات غير أعمال اقتل والهدم والتدمير المباشرة، تراوحت بين منع وعرقلة وإعاقة عمليات نقل وإخلاء الجرحى والقتلى من الميدان، أو إخلاء المدنيين المحاصرين في مناطق تشهد عمليات عسكرية وفي ظروف إنسانية بالغة القسوة بعد انقطاع التيار الكهربائي والمياه وعجزهم عن التزود بالغذاء أو قدرتهم على الوصول للرعاية الصحية، واستهداف سيارات الإسعاف والطواقم الطبية بالقصف المباشر، ووقف عمل المستشفيات والوحدات الطبية في الأماكن القريبة من مناطق العمليات، وقصف مستشفيات ومداخلها ومحيطها على نحو مباغت ما شل قدرتها على العمل وتسبب في فقدان مدنيين من جرحى ومحاصرين لحياتهم، بسبب عدم قدرة الطواقم الطبية على الوصول إليهم، بالرغم من محاولات اللجنة الدولية للصليب الأحمر التنسيق مع قوات الاحتلال لضمان وصول سيارات الإسعاف إلى الجرحى والقتلى.

 

هذا وطالت الهجمات الحربية الإسرائيلية موظفي العمل الإنساني كموظفي المياه والكهرباء، واستهدفت بشكل منظم خزانات المياه الرئيسية التي تغذي أحياءً بكاملها. كما استهدفت شبكات تزويد المنازل والأحياء بالمياه والكهرباء وقصفت محطة توليد الطاقة، بالإضافة لقصفها لستة على الأقل من خطوط التغذية الكهربائية الرئيسة، ما حول حياة المدنيين إلى جحيم.

وفي معرض سعي قوات الاحتلال لمنع نشر ما ترتكبه على الأرض من فظائع وبشاعات، عمدت تلك القوات إلى منع الصحافيين ووكالات الأنباء من الوصول إلى الأماكن التي تشهد مسرحاً لعملياتها الحربية، كما استهدفت منشآت صحفية كمكاتب فضائية الأقصى والجزيرة وإذاعات محلية في انتهاكات خطيرة ومنظمة لقواعد القانون الدولي الإنساني.

 

 كما قصفت قوات الاحتلال المؤسسات الثقافية بكل مكوناتها التراثية، الأثرية، المباني القديمة، والمؤسسات العلمية ودور العبادة وغيرها من مكونات الثقافة الفلسطينية، بهدف طمس تراث وحضارة الشعب الفلسطيني الشاهدة على تجذره في هذه الأرض، في مخالفة صريحة لأحكام القانون الدولي الذي يحظر استهداف الممتلكات الثقافية.

 

هذا وتعزز حصيلة ما وثقته منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية من خسائر بشرية ومادية مدى قسوة وشراسة هذا الهجوم، حيث تسبب في حصيلته النهائية في قتل (2219) فلسطيني بينهم (1545) مدني، أي ما نسبته 70% من إجمالي الضحايا من إجمالي عدد القتلى. ومن بين القتلى (556) طفل، أي بنسبة 25% من عدد القتلى المدنيين، و(299) من النساء، أي بنسبة 19% من عدد القتلى المدنيين. كما أشارت مصادر وزارة الصحة الفلسطينية إلى إصابة (10670) شخص بجراح، من بينهم (3551) طفل، أي بنسبة 31% من إجمالي عدد الجرحى، و(2070) سيدة، أي بنسبة 19% من إجمالي عدد الجرحى، وهو ما يشير بشكل واضح إلى حجم الاستخدام المفرط وغير المتناسب للقوة، وتعمد إلحاق الأذى بالمدنيين.

وأشارت حصيلة أعمال الرصد والتوثيق إلى أن قوات الاحتلال دمرت (31979) منزل، في قطاع غزة، من بينها (8164) عمارة سكنية، وكانت تلك المنازل تأوي (43789) عائلة يبلغ عدد أفرادها (252935) شخص، من بينهم (124683) طفل و(67453) من النساء.  ومن بين المنازل المدمرة (8381) منزل دمرت تدميراً كلياً، من بينها(1718) عمارة سكنية.

 كما دمرت قوات الاحتلال (2268) منشأة مدنية، من بينها (937) منشأة دمرت تدميراً كلياً.  وتشمل تلك المنشآت مستشفيات وعيادات صحية، مساجد وكنائس، بنوك، مؤسسات أهلية، مدارس ورياض أطفال وكليات وجامعات، مراكز شرطة ومراكز رياضية ومنشآت صناعية وتجارية. كما دمرت تلك القوات  (1097) مزرعة، من بينها (225) مزرعة حيوانات، (520) مزرعة دواجن، (350) مزرعة مزدوجة النشاط حيوانات ودواجن معاً، ومنحل واحد ومزرعة واحدة لتربية الأسماك.

 

وبعد مرور عامين على توقف العدوان الإسرائيلي واستمرار الحصار المشدد الذي يقترب من إنهاء عامه العاشر، ومرور نحو سبع سنوات على عدوان الرصاص المصبوب، يستمر تغييب العدالة ويشعر الضحايا أنهم أبعد ما يكونون عن الوصول إلى العدالة والإنصاف، ويفشل المجتمع الدولي في رفع الحصار عن قطاع غزة الذي ينتهك قواعد القانون الدولي الإنساني، فضلاً عن تقاعسه عن الوفاء بالتزاماته القانونية لجهة ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب ومن أمروا بارتكابها حتى الآن. بل وبعد العدوان الأخير الذي شنته قوات الاحتلال في تموز (يوليو) 2014 يتعزز شعور الضحايا بالإحباط جراء تكريس الحصانة لمجرمي الحرب. هذا كله بالرغم من تقرير النتائج التفصيلية للجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق بشأن النزاع في غزة في عام 2014 وسابقتها التي أجرت تحقيقاً في عدوان 2008- 2009، يثبت أن عشرات الآلاف من الفلسطينيين قد عانوا من الإصابة والدمار نتيجة أعمال اعتبرتها لجنة التحقيق غير قانونية وقد تبلغ مبلغ جرائم حرب كما نوه التقريران إلى ضرورة تفعيل آليات المساءلة.

 

مركز الميزان لحقوق الإنسان يعرب عن استهجانه الشديد لفشل المجتمع الدولي في اتخاذ خطوات ملموسة من شأنها أن تنهي حالة الإفلات من العقاب وتكرس مبدأ المحاسبة على انتهاكات القانون الدولي الإنساني، وفشله في فك الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة بالكامل كخطوة نحو إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وذلك على الرغم من إقرار حكومات العالم، واللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة بأن الحصار يمثل عقاب جماعي غير قانوني ولا يمكن تحمله.
مركز الميزان لحقوق الإنسان يشدد على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي لخطوات فورية وملموسة من أجل:

  • رفع الحصار غير القانوني وغير الأخلاقي المفروض على قطاع غزة، بما في ذلك ضمان مرور الأفراد والبضائع بما فيها مواد البناء الضرورية لإعادة إعمار قطاع غزة دون مزيد من الإبطاء.
  • توفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك قطاع غزة، في ظل تواصل الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي وانتهاكها لحقوق الإنسان بشكل يومي.
  • تفعيل أدوات المحاسبة الدولية وإنهاء حالة الحصانة والإفلات من العقاب، لضمان حقوق ضحايا انتهاكات قوات الاحتلال في العدالة والتعويض، ومعاقبة مرتكبي الانتهاكات ومن أمروا بها.
  • ضرورة العمل على إنهاء الاحتلال وتمكين الفلسطينيين من التمتع بحقوقهم بما يشمل حقهم الأساسي كشعب في تقرير المصير.

مركز الميزان يشدد على مواصلته جهوده الرامية إلى فضح ما يجري من انتهاكات منظمة لقواعد القانون الدولي الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والعمل مع منظمات حقوق الإنسان في فلسطين والعالم من أجل تحريك المجتمع الدولي للتخلي عن صمته والتحرك وفاءً بالتزاماته القانونية، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة، لضمان حماية المدنيين وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين.

كما سيواصل جهوده لوضع المحكمة الجنائية الدولية أمام التزاماتها القانونية واستمرار تزويدها بالحقائق التي تثبت تورط قوات الاحتلال بارتكاب جرائم حرب، ولن يثنيه عن عزمه، الحرب القذرة التي تشنها سلطات الاحتلال عبر محاولات تشويه منظمات حقوق الإنسان وتهديد نشطاءها وكل من يسعون لدفع ملف العدالة في هذه المنطقة من العالم إلى الأمام.

 

انتهى