تقارير و دراسات

تقرير حول جرائم قوات الاحتلال في قطاع غزة والآثار الإنسانية للحصار والإغلاق المفروض على قطاع غزة للعام 2007

    شارك :

28 يونيو 2008

واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها المتصاعد على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولاسيما على قطاع غزة، فبالإضافة إلى الممارسات المنتظمة التي شكلت سمة أساس لسلوك تلك القوات، كأعمال القتل والتوغلات التي ترافقها أعمال هدم وتجريف وقتل، وعمليات الاغتيال والتصفية الجسدية، ظهر الحصار والإغلاق الذي فرض وكان جزئياً ومتفاوتاً على مدى السنوات الممتدة منذ العام 2000 وحتى منتصف العام 2007 ليصبح هو السمة الأساس بعد أن تحول إلى إغلاق كامل لقطاع غزة، ومنع الحركة للبضائع والأفراد وطال ولأول مرة الشأن الإنساني.
وشكلت القيود الإسرائيلية المفروضة على حركة السكان والبضائع حجر الزاوية في سياسة إسرائيل تجاه قطاع غزة.
كما أنها المسبب الرئيس لحدوث انتهاكات حقوق الإنسان في القطاع.
فإلى جانب كون هذه السياسة تقييداً غير مشروع للحق الأساسي في الحركة والتنقل كما كفلته المواثيق الدولية لحقوق الإنسان (مادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)، فإنها تتسبب في وقوع انتهاكات خطيرة لجملة من الحقوق الأخرى.
فقد بينت تجربة سنوات عديدة أن أثر هذه السياسة على الاقتصاد كان مدمراً، وهي بذلك تنتهك الحق في العمل (مادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، والحق في التمتع بمستوى معيشي ملائم للفرد وأسرته(مادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية).
كما يشكل فرض قيود على وصول إمدادات الغذاء، والدواء والأجهزة والطواقم الطبية، والوقود والمحروقات والطاقة الكهربائية، والمواد التعليمية والمناهج الدراسية، والمعدات اللازمة للصرف الصحي وحماية البيئة، انتهاكات للحق في الغذاء(مادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، والحق في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة العقلية والجسمية (مادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) ومحددات هذا الحق كما حددتها لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحق في التعليم المناسب (مادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، والحق في العيش في بيئة صحية، وهي مسئوليات تقع على عاتق إسرائيل كما قررت محكمة العدل الدولية في قرارها المتعلق بقانونية بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، والذي أكدت فيه على أن إسرائيل تتحمل المسئولية عن إعاقة عمل السلطة الفلسطينية على احترام وتطبيق مسئولياتها، وأنها تتحمل هذه المسئوليات إذا لم تتمكن هذه السلطة من احترامها.
وتعتبر الإجراءات الإسرائيلية شكلاً متعدد الأوجه من أشكال العقاب الجماعي المفروض على سكان القطاع برمته.
فهذه الإجراءات ليست موجهة ضد عدد محدود من الأشخاص لمبررات قانونية أو أمنية، بل هي تشكل القاعدة في السياسة الإسرائيلية، بينما يشكل السماح بالحركة والوصول استثناءً يتطلب ممارسته تصاريح خاصة تصدرها قوات الاحتلال الإسرائيلي في كل مرة يحتاج فيها شخص أو مواد إلى التحرك خارج أو داخل قطاع غزة.
ويعتبر إيقاع العقوبات الجماعية انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، وبخاصةً للحمايات التي تفرضها اتفاقية جنيف الرابعة (المواد 33، 146 و147)، وكذلك قواعد لاهاي المتعلقة بأعراف الحرب والاحتلال.
وبينما تستمر إسرائيل في الادعاء بأن احتلالها لقطاع غزة قد انتهى، وبالتالي انتهت مسئوليتها عن سلامة واحتياجات سكانه الإنسانية أيضاً، بعد فك الارتباط، تشكل الممارسات الإسرائيلية وقدرة إسرائيل على إغلاق قطاع غزة بالفعالية والشدة التي يصفها هذا التقرير أدلة على زيف هذا الادعاء وعدم استناده لأية أسس قانونية أو واقعية.
وبموجب هذه السيطرة ومداها وقدرة إسرائيل على فرضها باستمرار يرتقي إلى مستوى السيطرة الفعلية الكاملة، فإن حالة الاحتلال والمسئوليات التي تترافق معها مستمرة.
وعليه فإن يتوجب على إسرائيل مراعاة الواجبات التي يفرضها القانون الدولي الإنساني على قوة الاحتلال تجاه السكان المدنيين في الإقليم الذي تحتله، وكذلك الواجبات التي تفرضها اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية على جميع الدول والتي تشمل كافة الأراضي التي تخضع لسلطانها القضائي.
ولم تؤدِّ المفاوضات التي تلت تنفيذ هذه الخطة، والتي نتج عنها توقيع 'اتفاقية الحركة والوصول' بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الوطنية الفلسطينية وبإشراف دولي بتاريخ 15/5/2005 عن حدوث تغيرات دائمة لحالة الحصار والإغلاق، بل لوحظ أن إغلاق المعابر قد استمر، بل وزاد عن المعدلات التي كانت قائمة قبل توقيع هذه الاتفاقية.
وقد أكدت التقارير التي أعدته جهات فلسطينية ودولية، بمن فيها الأمم المتحدة والبنك الدولي، عدم التزام إسرائيل بما جاء في الاتفاقية، حيث أن فتح أو إغلاق معبر رفح بقي خاضعاً لقرارات الحكومة الإسرائيلية بشكل كامل، ولم تصل معدلات التصدير والاستيراد من خلال معبر المنطار (كارني) إلى المعدلات التي تنص عليها الاتفاقية، ولم يتم السماح بتسيير قوافل للبضائع أو السكان بين الضفة الغربية وقطاع غزة نهائياً.
وقد انتهى تشديد الحصار والإغلاق المفروض على قطاع غزة، إلى تحويله إلى سجن محكم الإغلاق، ولاسيما بعد سيطرة حماس عليه أواسط حزيران/ يونيو المنصرم.
تبنت الحكومة الإسرائيلية بتاريخ 19/9/2007 قراراً أعلنت بموجبه قطاع غزة 'كياناً معادياً' وقررت اتخاذ مجموعة من الإجراءات، تشدد بموجبها من حالة الإغلاق والحصار القائمين منذ سنوات.
وكانت إسرائيل قد أعلنت عن إغلاق قطاع غزة بالكامل عشية بدء العمليات التي انتهت إلى سيطرة حركة حماس على السلطة في قطاع غزة بتاريخ 13/6/2007.
ولم تشكل هذه الإجراءات أي خطوات جديدة، بل اقتصرت على توسيع نطاق القيود المفروضة على القطاع منذ سنوات، والتي تصاعدت بشكل خطير أثناء وبعد تطبيق خطة فك الارتباط، والتي انتهت بتاريخ 12/9/2005.
ويشكل إعلان قطاع غزة كياناً معادياً ادعاءً متعارضاً مع الواقع، فغزة تشكل جزءاً من إقليم محتل كررت إسرائيل عبر تصريحات مسئوليها ومحاكمها الإشارة إلى أنه منطقة حرب، ولا تزال قواتها المسلحة تنفذ عمليات عسكرية واسعة النطاق فيه وتحتفظ بالسيطرة الفعلية على أرضه ومجاله الجوي ومياهه الإقليمية.
وبالتالي فإنه خلافاً لتشديد الحصار وتصعيد العدوان على القطاع، لا يأتي هذا الادعاء بجديد، فالأعمال الحربية غير المراعية لقواعد القانون الدولي والعقوبات الجماعية هي أعمال محظورة ويشكل جزء كبير منها جرائم حرب سواء في وجود هذا الإعلان أو في غيابه.
ويوماً بعد يوم يتضح أن تشديد الحصار سيتواصل، بل أن سلطات الاحتلال بدأت باتخاذ خطوات أكثر قسوة على الصعيد الإنساني، حيث بدأت بقطع إمدادات الكهرباء والوقود والغذاء، رغم إدراكها أن قطاع غزة يتأثر بنقص هذه الإمدادات بشكل فوري نظراً لعدم سماح إسرائيل بالحفاظ على أي مخزون استراتيجي عبر سنوات من الحصار وفرض القيود على دخول البضائع إليه.
وتأتي الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة، والتي تمثلت في تشديد حصارها المفروض على قطاع غزة، كتجسيد فعلي لسياسة العقاب الجماعي.
فقد جرفت قوات الاحتلال معبر صوفاه، الذي بدأ يتحول إلى معبر للبضائع في الآونة الأخيرة بعد استمرار إغلاق معبر المنطار (كارني)، وتتجه إلى حصر مرور المواد الغذائية الأساسية والمواد الإنسانية في معبر كرم أبو سالم (كيرم شالوم) الذي لا تكفي قدرته الاستيعابية على سد حاجات القطاع الأساسية.
كما حددت قائمة بالمواد المسموح بدخولها إلى قطاع غزة بتسعة أصناف هي زيت الطعام، ملح الطعام، الدقيق، السكر، الأرز، الحليب ومشتقاته، المجمدات، الأدوية والمستلزمات الطبية.
وتفضح هذه القائمة نوايا دولة الاحتلال بالقضاء التام على الاقتصاد الفلسطيني وقطاعاته الإنتاجية كافة، التي تعتمد في موادها الخام على المواد المستوردة من إسرائيل أو من خلال موانئها وكذلك الأمر في تصدير المنتجات الزراعية والمصنعة.
وأخيراً لابد من الإشارة إلى أن أثر استمرار الحصار لسنوات، وفرض الإغلاق الكامل على مدى الثلاثة أشهر ونصف الماضية، أسهم في توسيع ظاهرتي البطالة والفقر وسوء التغذية في قطاع غزة، وضرب ما تبقى من بنية تحتية للاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة، بفعل حظر استيراد المواد الخام، ومنع تصدير المنتجات الصناعية والزراعية للخارج.
وبينما يتواصل هذا الحصار وتزداد آثاره قسوة على المجتمع الفلسطيني، فإنه يتسبب في اتساع نطاق انتهاكات حقوق الإنسان بشكل غير مسبوق.
فسكان غزة لا تتوفر لديهم القدرة على الوصول إلى خدمات صحية داخل القطاع بسبب تدهور قدرات قطاع الصحة، وفي الوقت نفسه يحظر عليهم السفر لتلقي هذه الخدمات في الخارج.
وينطبق الأمر على جملة من الحقوق الأخرى كالتعليم والعمل والغذاء والسكن وغيرها.
عرض التقرير العدوان الإسرائيلي المتصاعد على قطاع غزة خلال العام 2007، ويبرز ضحاياه ومدى تدهور الآوضاع الإنسانية للسكان في القطاع جراء مجمل الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة والمنظمة لقواعد القانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان، وفي مقدمة تلك الجرائم جريمة العقاب الجماعي التي يعتبر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة أحد تجلياتها الأوضح.
ويعرض التقرير بإيجاز لآثار هذه السياسة على الأوضاع الصحية و قطاعات الصناعة، والزراعة والتعليم والإسكان والعمل.
وتأثيرها على وصول سكان القطاع إلى الحاجات الإنسانية الضرورية وتمتعهم بحقوهم الأساسية.
هذا بالإضافة إلى الجرائم النمطية كأعمال القتل التي تستهدف المدنيين وعمليات الاغتيال والتصفية الجسدية والاعتقالات والتوغلات وأعمال الهدم والتدمير التي تطال الممتلكات العامة والخاصة وتجريف الأراضي الزراعية.
ويغطي التقرير العام 2007 بشكل موجز مع ذكر أرقام وإحصاءات حول إجمالي الخسائر والأضرار التي وثفها مركز الميزان لحقوق الإنسان.